للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الفريق الثاني بناء على ذلك حصل قسمة في محل مجتهد فيه، فينفذ كقسمة الغنائم في دار الحرب.

وذكر في «السير الكبير» إذا استولى المشركون على مال المسلمين وأحرزوه بعسكرهم في دار الإسلام، ثم استنقذه منهم جيش من المسلمين قبل الإحراز بدار الحرب، فذلك مردود على صاحبه، وكذلك لو لم يقل الإمام بذلك حتى قسم المال بين من أصابه فالقسمة باطلة والمال، وهو المتاع مردود عل صاحبه.

وإن علم الإمام للحال ورأى إحرازهم بالعسكر إحرازاً يأمر فخمسه وقسمه مع غنائم المشركين بين من أصابه من المسلمين، ثم رفع إلى قاض يرى ذلك غير إحراز جاز ما صنع الأول، ولم يبطل، لأن هذا مما يختلف فيه الفقهاء ومعناه ما ذكرنا.

فإن قيل كيف يستقيم هذا ومن قال بأن نفس الاستيلاء سبب الملك، ومن قال بأن مال المسلمين محل لتملك الكفار بالاستيلاء، وهو أصحابنا ما جعلوا مجرد الاستيلاء سبباً؟ قلنا: كون مال المسلمين محلاً بالاستيلاء مختلف فيه، وكون مجرد الاستيلاء سبباً مختلف فيه أيضاً، والإمام في هذه المسألة أخذ بقول من قال بأن مال المسلمين محل لتملك الكفار بالاستيلاء، وبقول من قال: بأن مجرد الاستيلاء سبب، فكان اجتهاده من الطرفين مصادفاً محلا مجتهداً فيه.

ونظير هذا ما قلنا فيمن قضى بشهادة الفاسق على الغائب، أو شهادة رجل وامرأتين بالنكاح على الغائب ينفذ قضاؤه، وإن كان من يجوز القضاء على الغائب يقول: ليس للنسوان شهادة في باب النكاح، وليس للفساق شهادة أصلاً، ولكن قيل كل واحد من الفصلين مجتهد فيه، فينفذ القضاء من القاضي باجتهاده فيهما، فكذا في مسألتنا والمعنى فيه أن المجتهد يتبع الدليل القائل به ما ذكر، ثم في «الزيادات» وفي «السير الكبير» نص على أن قضاء القاضي بالملك للكافر بمجرد الاستيلاء، وقبل الإحراز بدار الحرب نافذ، قيل: وقد ذكر في «سير الجامع الكبير» : أنه لا ينفذ، لأنه لم يثبت فيه اختلاف المتقدمين، قال: ولو قضى قاض بشاهد ويمين لا ينفذ قضاؤه، قال: لأنه خلاف التنزيل؛ لأن ظاهر قوله تعالى: {واستشهدوا شهيدين من رجالكم} (البقرة: ٢٨٢) يقتضي أن يكون حجة الاستحقاق من جانب المدعي بشهادة رجلين، أو شهادة رجل وامرأتين، ومن جعل الحجة شهادة شاهد واحد ويمين المدعي، فقد خالف النص.

وإنما قال الزهري: إنه بدعة؛ لأنه لم يعمل به أحد من الصحابة، وإنما أحدثه معاوية، فكان بدعة منه، وذكر في كتاب الاستحلاف أن على قول أبي حنيفة، وسفيان الثوري رحمهما الله ينفذ قضاؤه لما روي عن رسول الله عليه السلام، «أنه قضى بشاهد ويمين الطالب» ، وقد أخذ به بعض العلماء، فكان قضاء في فصل مجتهد فيه فينفذ،

<<  <  ج: ص:  >  >>