للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قالوا: لا اختلاف فيه فرده القاضي الثاني، فإن القاضي الثالث يمضي الرد، لأن القضاء بإبطاله حصل في فصل مجتهد فيه، وهو لا يعلم بذلك اختلف المشايخ فيه، بعضهم قالوا: ينفذ قضاؤه وإليه أشار محمد في كتاب الإكراه.

وهكذا روى الحسن عن أبي حنيفة، وعامتهم على أنه لا يجوز وإليه أشار في «السير الكبير» ، فقد ذكر في «السير الكبير» في أبواب الفداء إذا مات الرجل وترك رقيقاً، وعليه الديون فباع القاضي رقيقه، وقضى ديونه ثم قامت البينة لبعضهم أن مولاه كان دبره كان بيع القاضي فيه كان باطلاً، ولو كان القاضي عالماً بتدبيره، فاجتهد وأبطل تدبيره؛ لأنه وصية وباعه في الدين، ثم ولي قاض آخر، يرى ذلك خطأ ينفذ قضاء الأول، وقد حصل قضاؤه بالبيع في فصل مجتهد فيه في الفصلين، مع هذا ينفذ قضاؤه في الفصل الأول لما لم يعلم، ونفذ في الفصل الثاني لما علم.

وهكذا ذكر في كتاب الرجوع عن الشهادات، والمذكور ثمة وإذا شهد محدودان في قذف ولم يعلم القاضي بذلك، حتى قضى بشهادتهما ثم (٧٧ب٤) علم فإن كان من رأيه أن شهادة المحدود في القذف بعد التوبة حجة أمضي قضاؤه، وإن لم يكن من رأيه ذلك نقض قضاؤه، وهذا لأن القضاء بشهادة المحدود في القذف ينفذ ظاهراً لا باطناً على ما عرف في موضعه، فكانت هذه الحالة بمنزلة ابتداء الشهادة، ولو علم القاضي بكون الشاهد محدوداً في القذف في حال ابتداء الشهادة، إن كان من رأيه أنه حجة يقضى بها، ومالا فلا على ما يأتي بيانه بعد هذا إن شاء الله تعالى، فهذا تنصيص على أن قضاء القاضي في المجتهد أن ينفذ إذا علم بكونه مجتهداً فيه فيما عدا الترك، أشار في «الجامع» أيضاً، وهكذا ذكر الخصاف في كتابه، قال شمس الأئمة السرخسي رحمه الله في شرح «كتاب الرجوع» : هذا هو ظاهر المذهب، وها هنا شرط آخر لنفاذ القضاء في المجتهد أن يصير الحكم حادثة، فيجري خصومة صحيحة بين يدي القاضي على خصمه، ثم إذا قضى القاضي بشهادة المحدود في القذف بعد التوبة، وهو يرى أن شهادته حجة إنما ينفذ قضاؤه؛ لأن هذا فصل مجتهد فيه، إما لأن فيه اختلافاً في الصدر الأول، فعمر رضى الله عنه كان يراها حجة، وإما لأن الموضع موضع اشتباه الدليل؛ لأن الآية مؤولة والخلاف بين العلماء في حرف الاستثناء إلى أو إلى رد الشهادة ظاهر.

وعن أبي يوسف رحمه الله أنه قال: لا ينفذ هذا القضاء، فإذا رفع إلى قاض آخر يبطله، فكأنه رأى قضاء الأول مخالفاً لظاهر الآية، فلهذا قال: أبطله الثاني.

وفي «أقضية الجامع» من تعليقي عن الشيخ الإمام الزاهد عبد الله الحدادي رحمه الله: إذا قضى القاضي بشهادة المحدود في القذف بعد التوبة، ورفع قضاؤه إلى قاض آخر، إنما لا يبطل الثاني قضاء الأول إذا كان الأول يراه حقاً، وعلم الثاني أن الأول رآه حقاً، بأن أظهر الأول ذلك للثاني، أو لم يعرف الثاني أن الأول رآه حقاً، أم لا؛ لأن الظاهر إنما يقضي بشيء إذا رأى ذلك حقاً، أما إذا علم الثاني أن الأول لم يرد ذلك حقاً بأن قال الأول: الصحيح قول ابن عباس أن شهادته لا تقبل، وإن مات كان للثاني أن يبطله؛ لأنه بين أن الأول ما كان قضى حيث قضى بخلاف رأيه، وسيأتي الكلام بعد هذا في القاضي يقضي بخلاف رأيه.

ولو كان القاضي هو المحدود في القذف، فقضى لرجل بقضية، ثم رفع قضاؤه إلى قاض آخر، يري ذلك باطلاً يرد قضاؤه:

يجب أن يعلم بأن المحدود في القذف لا يصلح قاضياً قبل التوبة، ولا تنفذ قضاياه بالإجماع، وإذا رفع قضاياه إلى قاض آخر أبطله القاضي الثاني لا محالة، فلو نفذه القاضي الثاني، فالقاضي الثالث يبطله؛ لأن تنفيذ القاضي الثاني حصل بخلاف الإجماع فكان باطلاً، فكان للثاني أن

<<  <  ج: ص:  >  >>