يبطله، وبعد التوبة لا يصلح قاضياً عندنا، خلافاً للشافعي فإذا رفع قضاؤه إلى قاض آخر يرى بطلانه أبطله، فقد فرق بين قضاء المحدود في القذف، وبين القضاء بشهادة المحدود في القذف.
فقال: القاضي إذا كان محدوداً في القذف، ورفع قضاياه إلى قاض آخر يرى بطلانه أبطله، والفرق أن قضاء المحدود في القذف نفسه مختلف فيه عندنا لا يصلح قاضياً، وعند من خالفنا يصلح قاضياً، ونفس القضاء إذا كان مختلفاً يتوقف على إمضاء قاض آخر، فأما القضاء بشهادة المحدود في القذف نفسه ليس بمختلف، بل المختلف شهادة المحدود في القذف، أنها هل تصلح حجة؟ فالقضاء بشهادة المحدود في القذف يكون حاصلاً في المختلف فيه فينفذ.
توضيح ما قلنا، أن قضاء المحدود في القذف إذا كان نفسه مختلفاً فيه لو نفذ كان القاضي ملزماً قول نفسه، فيكون عاملاً لنفسه، والإنسان فيما يعمل لنفسه لا يصلح قاضياً، فعلى قول من لا يرى ذلك قضاء تنعدم صورة القضاء، ونفاذ القضاء من غير وجود صورته لا يكون، فأما القضاء بشهادة المحدود في القذف لو نفذ كان القاضي ملزماً قول الشاهد، فيكون عاملاً لغيره لا لنفسه، فيوجد صورة القضاء، فيمكن تنفيذه، ولو رفع قضاء القاضي المحدود في القذف إلى قاض يرى جوازه فأمضاه، ثم رفع إلى قاض آخر يرى بطلانه، فالقاضي الثالث يمضي إمضاء القاضي الثاني، ولا يبطل قضاء الأول؛ لأن إمضاء الثاني حصل في محل مجتهد فيه، فنفذ فلا يكون لأحد إبطاله.
قال في «المنتقى» : وإذا كان القاضي محدوداً في القذف لا يسعه أن يقضي على وجه الحكم، ولكن يبين المغصوب من يد الغاصب ويرفعه إلى الطالب بمنزلة من ليس بقاض، فيكون معيناً للطالب، واستشهد صاحب «الأقضية» لإيضاح الفرق بين قضاء القاضي المحدود في القذف، وبين القضاء المحدود بشهادة المحدود في القذف، فقال ألا ترى أن القاضي لو قضى للزوج بشهادة زوجته ينفذ قضاؤه لوجود صورة القضاء مصادفته محلا مجتهداً فيه، لأن هذا مجتهد فيه، أن الزوج هل يصلح شاهداً لزوجته؟ وعلي رضى الله عنه كان يرى ذلك، ولو قضى لامرأة نفسه بشهادة شهود لا يجوز لانعدام صورة القضاء لكونه عاملاً لنفسه، بل يتوقف على إمضاء قاض آخر، كذا ههنا.
ولو أن قاضياً قضى بشهادة شاهدين ثم علم أنهما كافران، رد قضاؤه أو ظهر أن قضاءه وقع بخلاف الإجماع، وإن علم أنهما عبدان، فكذلك الجواب وإنه مشكل؛ لأن