للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

شريحاً رضى الله عنه كان يجيز شهادة العبد وكذلك مالك وداود بن علي، والجواب أن الصحابة أجمعوا على عدم قبول شهادة العبد، فإن علياً وزيد بن ثابت رضي الله عنهما لما اختلفا في المكاتب إذا أدى بعض بدل الكتابة هل يعتق بقدره؟ قال علي رضي الله عنه: يعتق فاحتج عليه زيد بفصل الشهادة، فقال أرأيت لو شهد أتجوز شهادته في البعض دون البعض؟ فلولا أنهم كانوا متفقين على عدم قبول شهادة العبيد، وإلا لما احتج زيد بفصل الشهادة، وقول بعض المتأخرين بخلاف إجماع الصحابة لا يعتبر، ولا تصير الحادثة به مجتهداً فيه بخلاف شهادة المحدود في القذف، لأنه كان مختلفاً بين السلف.

ولو علم أنهما أعميان فقد ذكر شمس الأئمة السرخسي في شرح كتاب الرجوع أن الجواب فيهما كالجواب في العبدين وظاهر ما ذكر في «المختصر» يدل عليه.

عبد أو صبي أو نصراني استقضى وقضى نفسه، ثم رفع قضاؤه إلى قاض آخر فأمضاه، فإنه لا يجوز إمضاؤه، وهذا الجواب ظاهر في حق الصبي والنصراني مشكل في حق العبد، بناءً على ما ذكرنا أن القضاء معتبر بالشهادة، والصبي لا يصلح شاهداً أصلاً، والنصراني لا يصلح شاهداً في حق المسلمين فلا يصلح قاضياً، فأما العبد يصلح شاهداً عند مالك وشريح فيصلح قاضياً، فإذا اتصل به أمضاه قاض آخر ينبغي أن ينفذ كما في المحدود في القذف، والجواب ما ذكرنا، ولو أن أعمى قضى بقضية، ورفع إلى قاض آخر فأمضى ينفذ قضاؤه؛ لأن في أهلية شهادته خلاف ظاهر، إن كان بصيراً وقت التحمل، فالخلاف بين أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله، وبين أبي يوسف رحمه الله وإن كان أعمى وقت التحمل فالخلاف بينهما وبين مالك وقد اعتبر خلافه؛ لأن الموضع موضع اشتباه الدليل؛ لأن التمييز شرط في الشهادة، فمالك اعتبر أصل التمييز وقد وجد، ونحن اعتبرنا كمال التمييز، ولم يوجد.

وهذا مما يشتبه وللاجتهاد فيه مجال، وليس فيه إجماع السلف بخلافه، بخلاف فصل العبد على ما مر، ولو رفع قضاؤه إلى قاض لا يرى جواز قضائه (٧٨آ٤) أبطله؛ لأن نفس القضاء مجتهد فيه، لأن الخلاف في أهلية شهادته خلاف في أهلية قضائه، ثم قال: ولو رفع قضاؤه إلى قاض يرى شهادته وقضاءه جائزاً، أو لا يدري أنه هل يرى ذلك، فانفذ حكمه ثم رجع إلى قاض يرى ذلك باطلاً، فليس له أن يبطله؛ لأن إمضاءه حصل في محل مجتهد فيه، ثم سوى بينما إذا كان شهادته ترى جائزة، وبينما إذا كان لا يدري؛ لأنه إذا كان لا يدري يحمل على أنه يرى جوازه، لأن الظاهر أن القاضي لا يقضي بخلاف ما يعتقده.

ولو أن امرأة استقضت جاز قضاؤها في كل شيء، إلا الحدود والقصاص؛ لأنها تصلح شاهدة فيما عدا الحدود والقصاص، فتصلح قاضية فيها، ولا تصلح شاهدة في الحدود والقصاص، فلا تصلح قاضية فيها، فإن قضت في الحدود والقصاص، ثم رفع قضاؤها إلى قاض آخر، فأمضاه نفذ قضاؤها؛ لأن في أهليتها للشهادة اشتباه الدليل، فكان مجتهداً فيه، وإذا قضى القاضي في المجتهد فيه بخلاف رأيه ذكر الشيخ الإمام

<<  <  ج: ص:  >  >>