زماننا مع تقليدهم شفعوي المذهب في اليمين المضاف، وبيع المدبّر وأشباه ذلك، إن كان التقليد للحكم ببطلان اليمين وبجواز بيع المدبر كانت المسألة على الاختلاف، وكان جواز حكم الشفعوي على الخلاف، كما لو فعل المقلد بنفسه ذلك، وإن كان التقليد للحكم بما يرى كان جواز الحكم من الشفعوي بالاتفاق، ألا ترى أن السلف كانوا يقلدون الأعمال والقضاء من الخلفاء العباسية، ويرون ما يحكمون به على آرائهم نافذاً وإن كان ذلك مخالفاً لرأي الخلفاء لاتباعهم في المسائل جدهم ابن عباس.
وإذا قضى القاضي بقتل في قسامة لا ينفذ قضاؤه، وصورته: قتيل وجد في محلة، وادعى أولياء القتيل على رجل أنك قتلته، قال بعض العلماء وهو مالك والشافعي رحمهما الله في القديم: إذا كان بين المدعى عليه، وبين القتيل عداوة ظاهرة، ولا يعرف له عداوة على غير المدعى عليه، وبين دخوله في المحلة ووجوده قتيلاً مدة قريبة، فالقاضي يحلف ولي القتيل على دعواه، فإذا حلف قضى بالقصاص، وعندنا فيه الدية والقسامة، فهذا هو صورة هذه المسألة، وإنما لم ينفذ القضاء؛ لأنه خلاف السنة وخلاف إجماع الصحابة، وعن أبي يوسف رحمه الله أنه ينفذ القضاء، ولكن إذا رفع إلى قاض آخر أبطله إذا لم يستوف القود لماذ ذكرنا أنه خلاف السنة وخلاف إجماع الصحابة وأول من قضى به معاوية، وقد ردوا عليه فلهذا كان للثاني أن يبطله، ولو قضى قاض بجواز بيع الدرهم بالدرهمين لا يجوز وقد مر هذا.
وكذلك لو قضى قاض بجواز متعة النساء لا يجوز وصورته: إذا قال الرجل لامرأة: أتمتع بك إلى كذا، وقال: شهراً أو ما أشبه ذلك، وإنما قال: لا يجوز القضاء بجوازها؛ لأنها منسوخة، قالت عائشة رضي الله عنها: نسختها آية الطلاق، وقيل: نسختها السنة، وقيل: إجماع الصحابة، وابن عباس رضي الله عنهما وإن قال بجوازها إلا أن قوله بخلاف الكتاب والسنة لا يعتبر، كيف وقد صح رجوعه عنها؟ وعن أبي يوسف رحمه الله أنه يجوز قضاؤه، وهكذا روى خالد عن محمد عن أبي حنيفة رحمه الله، ولو كان مكان لفظة الخلع لفظة التزويج، بأن قال الرجل لامرأة: تزوجتك إلى كذا، فقضى قاض بجواز هذا النكاح، وأبطل الأجل جاز قضاؤه؛ لأنه محل الاجتهاد، فإن عند زفر هذا النكاح صحيح، واشتراط الأجل باطل، وهذا لأن اشتراط الأجل شرط فاسد، والنكاح مما لا يبطل بالشروط الفاسدة.
وعن أبي يوسف رحمه الله برواية بشر أنه لا يجوز قضاؤه في هذه الصورة أيضاً.
وإذا نسي القاضي مذهبه قضى بمذهب غيره، قال أبو حنيفة رحمه الله: ينفذ القضاء، وقال أبو يوسف رحمه الله: لا ينفذ، هكذا روى الخصاف في «أدب القاضي» ، وهكذا ذكر في «العيون» في آخر «أدب القاضي» ، وهكذا ذكر القاضي أبو علي النسفي رحمه الله، وصورة ما ذكره القاضي أبو علي رحمه الله: إذا نسي القاضي رأيه، وقضى