برأي غيره، لم يذكر رأيه قال أبو حنيفة: يأخذ برأيه في المستقبل، ولا يبطل ذلك القضاء، وقال أبو يوسف: يبطله، وذكر القاضي الإمام ركن الإسلام علي السعدي، والشيخ الإمام شمس الأئمة السرخسي قول محمد مع أبي يوسف رحمهما الله.
وجعل القاضي الإمام ركن الإسلام هذا هذه المسألة فرعاً لمسألة تقدم (٧٨ب٤) ذكرها، وهو ما إذا قضى القاضي بمذهب غيره، وهو عالم بمذهب نفسه، وذكر أن تلك المسألة على الخلاف بين أبي حنيفة وبين صاحبيه كذا هذه، ولو أن قاضياً قضى بخلاف في دار استحقت من يد المشتري، وأخذ الضامن بدار مثلها، ثم رفع إلى قاض آخر أبطله، وصورة المسألة رجل باع داراً له، وضمن البائع للمشتري الخلاص، أو ضمن أجنبي له الخلاص، وتفسيره: أن يقول الضامن للمشتري: إن استحقت الدار المشتراة من يدك فأنا ضامن لك استخلاص الدار، أحتال حتى استخلص ذلك الدار بالبيع أو بالهبة، وأسلمها إليك، فهذا الضمان باطل عندنا؛ لأنه ضمن ما يعجز عن الوفاء به، وعند بعض الناس يصح هذا الضمان، وهذا القول لا يستند إلى قياس صحيح، وقد استنكره المتقدمون، فقد قال شريح: من شرط الخلاص، فهو أحمق سلم ما بعت وخذ ما اشتريت، ولا خلاص، وإذا قضى قاض بجواز هذا الضمان، فقد قضى بما هو باطل.
ثم ما ذكرنا من تفسير ضمان الخلاص قول أبي حنيفة، وهو اختيار صاحب كتاب «الأقضية» ، فأما على قول أبي يوسف ومحمد تفسير ضمان الخلاص والعهدة والدرك واحد، وهو الرجوع بالثمن عند الاستحقاق، وعند أبي حنيفة تفسير ضمان الخلاص ما ذكرنا، وتفسير ضمان الدرك ما قالا، وتفسير ضمان العهدة ضمان الصك القديم الذي عند البائع، ثم عندهما تفسير هذه الأشياء إذا كان واحداً وهو الرجوع بالثمن عند الاستحقاق كان هذا الضمان صحيحاً، وإذا استحق المبيع من يد المشتري يرجع بالثمن على الضمان، فمتى قضى قاض بصحة هذا الضمان، وأثبت للمشتري حق الخصومة مع الكفيل ينفذ هذا القضاء، فإذا رفع إلى قاض آخر لا يبطله، فأما إذا ضمن تسليم الدار إلى المشتري لا يصح ضمانه، فلا يصح القضاء به، لما ذكرنا.
ولو أن امرأة رجل أو نفسه عفت عن دم العمد، وأبطل ذلك قاض لما أن من رأيه أنه لا عفو للنساء؛ لأنه لاحق لهن في القصاص، كما هو مذهب بعض العلماء، وقضى بالقود للرجال، فقبل أن يقاد الرجل رفع إلى قاض يرى عفو النساء صحيحاً، فالقاضي ينفذ ذلك العفو، ويبطل القضاء بالقود، لأن القضاء الأول باطل؛ لأنه بخلاف الكتاب، وهو قوله تعالى:{ولهن الربع مما تركتم}(النساء: ١٢) وبخلاف قول الجمهور، وإن كان هذا الرجل قد قتل بعمده، فالقاضي الثاني لا يتعرض لشيء هكذا ذكر الخصاف، وصاحب كتاب «الأقضية» .
قالوا: وينبغي أن يقال: إن كان المقضي له بالقصاص عالماً يقتص منه؛ لأنه قتل شخصاً محقون الدم، وإن كان جاهلاً يقضي عليه بالدية، أصل المسألة ما ذكر في «الأصل» إن الدم إذا كان بين اثنين، فعفى أحدهما، ثم قتل الآخر، إن كان القاتل جاهلاً