للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

القياس، فيمكن اشتراطها فيما هو في معناها قياساً عليها.

وأما اشتراط العدد في الشهادة كان على مخالفة القياس، ولهذا لا يشترط في سائر الإخبارات، فيقتصر عليها، ثم هذا الاختلاف في تزكية السر، فأما في تزكية العلانية فالعدد شرط بالإجماع؛ لأن معنى الشهادة فيها أبين وأظهر ألا ترى أنه يختص بمجلس القضاء، بخلاف تزكية السر عندهما.

وذكر أبو علي النسفي رحمه الله في «كتابه» عن محمد رحمه الله ما يدل على أن العدد في تزكية السر عنده ليس بشرط، والذي ذكر فيما إذا عرف المزكي الشهود بالعدالة، أو لم يعرفهم بها، لكن سأل ممن عرفهم وأخبره بعدالتهم ينبغي للمزكي أن يعدلهم قطعاً، فيقول: هم عدول، ولا يقول: هم عدول؛ لأن الثقاة أخبروا بعدالتهم؛ لأن هذا ليس بتعديل بل هذا إخبار عن تعديل الغير، وهذا الإخبار لم يثبت عند القاضي لكون المخبر واحد رواه عن محمد رحمه الله.

وروى عنه رواية أخرى: أن القاضي يقبل ذلك منه؛ لأنه أحال بالتعديل على حجته، وهذه الرواية دليل على أن العدد في المزكي عند محمد رحمه الله ليس بشرط، أما الترجمان، إذا كان أعمى ذكر في غير رواية «الأصول» عن أبي حنيفة: أنه لا تجوز ترجمته؛ لأن العمى جرح، وعن أبي يوسف رحمه الله أنه تجوز ترجمته، والمرأة الواحدة إذا كانت ثقة حرة جازت ترجمتها عندهما لرجل، وهذا في الأموال وما يجوز شهادتها فيه أما فيما لا تجوز شهادتها فيه لا تجوز ترجمتها.q

قال في كتاب «الأقضية» : إذا أراد المزكي أن يعدل الشهود ينبغي أن يقول إنهم عدول ثقات جائزوا الشهادة، قال: هذا هو أبلغ الألفاظ في التعديل.

وقال ابن سلمة: المزكي يقول في التزكية: هو عندي عدل مرضي جائز الشهادة، وفي «العيون» ذكر لفظ: عندي أيضاً، وبعض المشايخ قالوا: إذا قال: عندي لا يكون هذا تعديلاً بقوله: عندي وقع الشك، والفقيه أبو الليث رحمه الله زين هذا القول، وقال: هذا عندي ليس شيء؛ لأن العالم بالحقائق هو الله تعالى، وإنما يخبر المكلف عما عنده ووقع اجتهاده، وقال أبو يوسف رحمه الله: يقول المزكي: ما أعلم منه إلا خيراً كما ذكر عمر رضي الله عنه، ولو قال: لا بأس به فقد عدله.

وفي القاضي إذا قال المزكي: هم عدول، فهذا ليس بتعديل؛ لأن المحدود في القذف بعد التوبة عدل ولا تقبل شهادته، وما وراه أبو علي النسفي عن محمد رحمه الله دليل على أنه تعديل، وكذلك إذا قال: هم ثقات، فالقاضي لا يكتفي به فقد يطلق هذا اللفظ على المستور، وبعض مشايخنا قالوا: إنه تعديل، ولو قال: إنه مزكى يكتفي به؛ لأنه طلب منه التزكية، وقد أتى بلفظ التزكية، وصار كالشاهد بعد الاستشهاد يأتي بلفظة الشهادة، ولو قال: لا أعلم منه إلا خيراً فقد ذكر في «أدب القاضي» أنه تعديل، وإنه موافق لما روينا عن أبي يوسف ومن المشايخ من قال: إنه ليس بتعديل، والأصح أنه تعديل؛ لأنه نفى ما سوى الخير عنه، فكان مثبتاً صفة الخيرية له، إلا أنه يثبت بقدر ما

<<  <  ج: ص:  >  >>