فأشبه القضاء وتقليد القضاء يجوز مضافاً ومعلقاً، فكذا الخصومة.
وجه قول أبي يوسف رحمه الله أن التحكيم صح معنى؛ لأنه لا يثبت إلا بتراضي الخصمين والمقصود منه قطع منازعة تحققت بينهما هاهنا، وهذا هو معنى الصلح فلا يصح معلقاً ومضافاً قياساً على سائر المصالحات بخلاف القضاء والإمارة؛ لأنه تفويض وتزكية حقيقة ومعنى ليس فيهما معنى الصلح؛ لأن الصلح لا يثبت إلا بالتراضي، ولا يصلح إليه إلا بقطع منازعة تحققت وهذا الحد لا يوجد في القضاء والإمارة، فأما التحكيم إن كان تفويضاً من الوجه الذي قلتم، ففيه معنى الصلح من الوجه الذي قلنا، فلئن كان يصح تعليقه وإضافته من الوجه الذي قلتم لا يصح من الوجه الذي قلنا فلا يصح بالشك.
وإذا اصطلحا على حكم يحكم بينهما على أن يسأل فلاناً الفقيه ثم يحكم بينهما بقوله جاز. وكذلك إذا اصطلحا على حكم بينهما على أن يسأل الفقهاء ثم يحكم بينهما بما أحصوا عليه جاز، لما ذكرنا أن الحاكم المحكم فيما بين المتخاصمين بمنزلة القاضي المولَّى، ولو شرط هذا الشرط في تقليد القضاء يجوز، فكذا إذا شرط في التحكيم، فإن سأل ذلك الفقيه في الفصل الأول وحكم بينهما بقوله جاز وهذا ظاهر، وإذا سأل فقيهاً واحداً في الفصل الثاني وحكم بقوله جاز أيضاً، لأن اللام إذا لم تكن لتعريف المعهود تكون لاستغراق الجنس والحكم المعلق في الجنس يتعلق بأدنى ما يطلق عليه اسم الجنس، عرف ذلك في موضعه.
وإذا اصطلحا على حكم يحكم بينهما في يومه هذا أو في مجلسه هذا فهو جائز. ألا ترى أنه جاز تقليد القضاء مؤقتاً فكذا التحكيم، فإن مضى ذلك اليوم أو قام عن مجلس ذلك، لا يبقى حكماً.
فرق بين المحكوم وبين الوكالة على إحدى الروايتين، فإن الوكالة لا تتوقت على إحدى الروايتين، حتى إن من قال لغيره بع عبدي اليوم، فباعه غداً جاز استحساناً على إحدى الروايتين، والفرق أن اليوم في الوكالة تذكر للتعجيل عرفاً وعادة، فكأنه قال للوكيل: بع عبدي هذا ولو قال هكذا ولم يعجل لا يبقى وكيلاً كذا هنا.
أما ذكر اليوم في باب الحكومة إن كان يراد به التعجيل في جانب من يتوجه الحكم له لا يراد به التعجيل في جانب من يتوجه عليه الحكم؛ لأنه لا يريد التعجيل إنما يريد التأقيت، فبعد مضي الوقت إن كان بقي حكماً في حق من يتوجه له القضاء لا يبقى حكماً في حق من يتوجه عليه القضاء، فلا يبقى حكماً بالشك وإذا رفع حكم الحاكم إلى القاضي المولى، فالقاضي المولى ينظر في حكمه، فإن كان موافقاً لرأيه نفذه، وإن كان مخالفاً لرأيه أبطله وإن كانت مما يختلف فيه الفقهاء.
فرق بين هذا وبين القاضي المولى إذا قضى في حادثة اختلف فيه الفقهاء ورفع ذلك إلى قاض آخر، يرى خلافه ليس له أن يبطله.