بلازم فلبقائه حكم الإنشاء، ولو ارتد عن الإسلام ثم أسلم وحكم لا يجوز حكمه؛ لأن بالارتداء يخرج من أن يكون أهلاً للقضاء بالارتداد، فكذا الحكم وقد ذكرنا فصل العمى والارتداد في فصل التقليد والعزل بخلاف ما ذكر هاهنا.
ولو وجه الحكم الفصل على أحدهما يريد به أن الحكم قال لأحد الخصمين: قامت عندي الحجة بما ادعي عليك من الحق، ثم إن الذي توجه عليه الحكم عزله ثم حكم بعد ذلك عليه لم ينفذ حكمه عليه، فقد صحح العزل من أحدهما وإنه مشكل؛ لأنه صارحكماً بإتفاقهما، فينبغي أن لا يخرج من الحكومة إلا باتفاقهما، والوجه في ذلك اتفاقهما إنما شرط لصيرورته حكماً، لأن في التحكيم إثبات الولاية عليهما فلا بد من اتفاقهما إذ ليس (٨٦ب٤) لأحدهما ولاية على صاحبه، أما ليس في العزل إثبات الولاية على الغير بل فيه إبطال ما ثبت للحكم عليه من الولاية بتحكيمه، وإبطال ما ثبت له من الولاية بتحكيمه قبل تنفيذ القضاء جائز، وكان بمنزلة الشركات لا تثبت إلا بتراضيهما لما فيه من إثبات الولاية على الغير، ثم ينتقض بنقض أحدهما إذ ليس في النقض إثبات الولاية على الغير كذا هنا.
وإذا وكل أحد الخصمين الحكم بالخصومة وقبل الحكم الوكالة خرج عن الحكومة، لأنه بقبول الوكالة خرج من أن يكون شاهداً لصيرورته خصماً، والخصم لا يصلح شاهداً، فيخرج من أن يكون حكماً أيضاً، هكذا ذكر في الأقضية.
بعض مشايخنا قالوا: هذا الجواب إنما يستقيم على قول أبي يوسف رحمه الله؛ لأن على قوله الوكيل بمجرد قبول الوكالة يصير خصماً، حتى لو عزل قبل الخصومة، فشهد لموكله لا تقبل الشهادة.
أما لا يستقيم على قول أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله؛ لأن على قولهما الوكيل بمجرد قبول الوكالة لا يصير خصماً حتى لو عزل قبل الخصومة، ثم شهد لموكله قبلت شهادته وإذا لم يصر خصماً بمجرد قبول الوكالة لا يخرج من الحكومة بمجرد قبول الوكالة له، حتى لو عزل في الحال وحكم ينفذ حكمه.
ومنهم من قال لا بل ما ذكر هاهنا قول الكل، وجه ذلك أن التوكيل بالخصومة توكيل بالخصومة في مجلس القاضي؛ لأن مجلس الخصومة مجلس القاضي، فيصير وكيلاً بالخصومة، إذا حضر مجلس القاضي للخصومة، فصار التوكيل كالمضاف إلى حضوره، فإذا عزل قبل حضوره مجلس القاضي، فقد عزل قبل صيرورته وكيلاً وقبل صيرورته خصماً، فأما الحاكم المحكم يصير خصماً بمجرد قبول الوكالة؛ لأنه فيما بينهما بمنزلة القاضي المولى، فمجلسه كمجلس القاضي، وإنه لا يكون غائباً عن مجلسه فكما قبل الوكالة يصير خصماً، فيخرج عن الحكومة.
وإذا اشترى الحكم العبد الذي اختصما إليه فيه أو اشتراه ابنه أو أحد ممن لا تجوز شهادته له فقد خرج من الحكومة، أما إذا اشترى العبد هو، فلأنه صار خصماً عن أحد الخصمين، فإن بعد ما اشتراه الحكم يحتاج إلى إثبات الملك لبائعه ليمكنه الإثبات لنفسه