للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الذي ادعيا كان الأول نافذاً والثاني باطلاً، لأن الحكومة قد انتهت بالقضاء الأول بحصول المقصود وهو فعل الخصومة، والحكم الثاني يكون بعد خروجه عن الحكومة فيقع باطلاً.

وحكم الحكم بالطلاق والنكاح والعتاق والكتابة والكفالة بالنفس والكفالة بالمال والشفعة والنفقة والديون والقروض والتبرع والقصاص وأرش الجراحات وقطع يد عمد وسائر حقوق العباد بينهم، فهو جائز إذا وافق رأي القاضي، أما الطلاق والعتاق وسائر الحقوق المالية فلا شك في جواز التحكيم فيها؛ لأن حكم الحكم صلح من وجه وتفويض من وجه، وأياً ما كان فهو جائز. وأما القصاص فقد نص على جواز التحكيم فيها هاهنا وفي صلح «الأصل» : وعن أبي حنيفة رحمه الله، أنه لا يجوز، وهكذا ذكره الخصاف في «أدب القاضي» ، ووجه ذلك: أنه صلح من وجه ولا يجوز استيفاء القصاص بالصلح؛ ولأنه ليس بحجة في حق غير الحكمين فكان فيه شبهة، والقصاص لا يستوفى مع الشبهات.

وجه ما ذكر هنا: وفي «الأصل» أن القصاص من حقوق العباد وهما يملكان الاستيفاء بأنفسهما، فيملكان التفويض إلى غيرهما قياساً على سائر حقوق العباد. وأما أروش الجراحات، فإن كانت بحيث لا يتحملهما العاقلة وتجب في مال الجاني بأن كانت دون أرش الموضحة وهو خمسمائة درهم أو ثبت ذلك بالإقرار أو النكول أو كان عبداً وقضى على الجاني جاز؛ لأنه لا يخالف حكم الشرع وقد رضي الجاني بحكمه عليه فيجوز، وإن كانت بحيث يتحملها العاقلة بأن كان خمسمائة فصاعداً، وقد ثبت بالبينة وكان خطأ لا يجوز قضاؤه أصلاً؛ لأنه إن قضى بها على الجاني فقد قضى بخلاف حكم الشرع، وإن قضى بها على العاقلة فالعاقلة ما رضوا به.

وفي «أدب القاضي» للحسن بن زياد عن أبي حنيفة رحمه الله: الحكم في قتل الخطأ، إن قضى بالدية على العاقلة لم يجز، وإن قضى بها على القاتل جاز وأما قطع اليد عبداً إن قطع يد الحر فحكمه وجوب القصاص، وقد بينا الكلام في جواز التحكيم، وإن قطع يد عبد فحكمه وجوب نصف القيمة في مال القاطع فجاز قضاؤه عليه بالمال؛ لأنه رضي بحكومته وحكم الحاكم جائز في الأموال باتفاق الروايات.

وقوله في «الكتاب» فهو جائز، إذا وافق رأي القاضي، معناه: أن للقاضي المولى أن يبطل حكم الحاكم إذا خالف رأيه.

قال: ولا يجوز التحكيم في شيء من الحدود لا زنا ولا شرب خمر ولا سرقة ولا لعان ولا قذف، وإن فعل ذلك فهو باطل؛ لأنهما لا يملكان إقامة ذلك بأنفسهما، فلا يملكان التفويض إلى الغير ويجوز التحكيم في تضمين السرقة؛ لأنه خالص حق المسروق منه، وله ولاية الاستيفاء ويجوز تحكيم المكاتب والعبد المأذون صحيح وإن اعتبرناه بالتفويض فهما في تفويض ما يملكان بأنفسهما إلى غيرهما بمنزلة الحر.

ولا يجوز كتاب الحكم بحكم إلى القاضي؛ لأنه في حقه بمنزلة واحد من الرعايا

<<  <  ج: ص:  >  >>