للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والقاضي لا يقضي بكتاب واحد من الرعايا وكذلك لا يجوز كتاب القاضي إلى حكم حكمه رجلان بشهادة شهود شهدوا عنده؛ لأنه في حقه بمنزلة واحد من الرعايا، وكذلك لا ينبغي للحكم أن يقضي بكتاب كتبه قاض إلى قاض آخر.

وإذا حكما رجلاً فجعل الحكم الحكم إلى غيره لم يجز إلا برضا الخصمين؛ لأنهما إنما رضيا بحكمه، أمّا ما رضيا بحكم غيره، فلو أن الثاني حكم بينهما بغير رضاهما وأجاز الأول حكمه ذكر في «الكتاب» أنه باطل.

بعض مشايخنا قالوا: ما ذكر من الجواب لا يكاد يصح على قول علمائنا؛ لأن الحكم إما أن يعتبر بالوكيل الذي لم يؤذن له بالتوكيل، أو بالقاضي الذي لم يؤذن له بالاستخلاف وأي الأمرين اعتبرنا يجب أن يكون إجازة الأول حكم الثاني صحيح، فإن القاضي الذي لم يؤذن بالاستخلاف إذا أجاز حكم خليفته جاز، والوكيل الذي لم يؤذن له في التوكيل، إذا أجاز تصرف وكيله يجوز.

والذي يؤيد هذا القول مسألة ذكرها محمد رحمه الله (٨٧أ٤) في «السير الكبير» وصورتها: إذا نزل قوم من أهل الحرب على حكم رجل من المسلمين، فحكم فيهم غيره بغير رضاهم لا يجوز، وإن أجاز ذلك الحكم يجوز. ومنهم من قال: هذا الجواب صحيح على قياس ما ذكر في بعض روايات كتاب الوكالة، أن الوكيل الذي لم يؤذن له في التوكيل إذا أجاز تصرف وكيله لا يجوز، وعلى قياس هذه الرواية لو أجاز القاضي الذي لم يؤذن له في الاستخلاف حكم خليفته لا يجوز أيضاً، وعلى قياس الرواية الأخرى، أن الوكيل لو أجاز تصرف وكيله يجوز لو أجاز القاضي حكم خليفته أو أجاز الحكم حكم حاكمه يجوز أيضاً، فإذاً في الحاصل في المسائل كلها روايتان، وسيأتي وجه الروايتين في وكالة «الأصل» ، فإن الوكيل بالخصومة لا يملك التحكيم لأن التحكيم صلح معنى والوكيل بالخصومة لا يملك الصلح، وإن وكله بالخصومة والصلح جميعاً أو وكله بالخصومة وأجاز منعه جاز التحكيم وهذا ظاهر.

ولو حكم رجلان رجلاً بينهما وحكم لأحدهما ثم اصطلحا على حَكَم آخر، فالثاني ينظر في حكم الأول إن كان عدلاً أمضاه وإن كان جوراً أبطله؛ لأن الحكم فيما بين المتخاصمين بمنزلة القاضي المولى، والقاضي المولى إذا قضى بين اثنين ثم رفع قضاؤه إلى قاض آخر نظر القاضي الثاني في قضائه على نحو ما بينا، وإذا رد شهادة شهود شهدوا عنده بتهمة ثم شهد أولئك الشهود عند قاض آخر، أو عند حاكم آخر، فإنه يسأل عنهم فإن عدلوا أجازهم، وإن جرحوا ردهم؛ لأن الحكم في حق غير المتخاصمين بمنزلة واحد من الرعايا فلا يعمل رده في حق القاضي، ولا في حق حاكم آخر بخلاف ما إذا رد القاضي المولى شهادتهم؛ لأن رده يظهر في حق الناس كافة فلا يكون لأحد أن يعمل بتلك الشهادة بعد ذلك.

وإذا أبى الخصمان حكم الحكم، وقالا: لم يحكم بيننا وقال الحاكم: لا، بل قد حكمت بينهما، فإنه يصدق الحكم ما دام في مجلس الحكومة، وبعدما قام عن مجلس الحكومة لا يصدق؛ لأنه حكى ما لم يملك استئنافه.

<<  <  ج: ص:  >  >>