للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وإذا اصطلحا على حكم حكم بينهما وأجاز القاضي حكومته قبل أن يحكم بينهما، فهذه الإجازة من القاضي لغو، حتى لو حكم الحاكم بخلاف رأي القاضي فللقاضي أن يبطله؛ لأن هذه الإجازة لو اعتبرت إما أن يعتبر إنفاذ التحكيم ولا وجه إليه؛ لأن التحكيم نفذ بين الخصمين لا يوقف فيها، فلا تعمل الإجازة فيها؛ لأن الإجازة إنما تعمل في الموقوف لا في غير الموقوف، وإما أن يعتبر إنقاذ الحكم ولا وجه إليه أيضاً؛ لأن الحكم لم يوجد وإجازه الشيء قبل وجوده باطلة، فصار وجود هذه الإجازة والعدم بمنزلة.

قال شمس الأئمة السرخسي رحمه الله: وهذا الجواب صحيح فيما إذا لم يكن القاضي مأذوناً في الاستخلاف، فأما إذا كان مأذوناً في الاستخلاف يجب أن تجوز إجازته، ويجعل إجازة القاضي بمنزلة استخلافه إياه في الحكم بينهما فلا يكون له أن يبطل حكمه بعد ذلك.

وإذا حكم رجل بين رجلين ولم يكونا حكماه، فقالا بعد حكمه: رضينا بحكمه وأجزنا عليه، فهو جائز؛ لأن الإجازة في الانتهاء بمنزلة الإذن في الابتداء، ولو أذنا له بالحكم بينهما في الابتداء جاز، فكذا إذا أجازا حكمه في الانتهاء.

وإذا اصطلح رجلان على أن يبعث كل واحد منهما حكماً من أهله فهو جائز، وإذا قضى أحدهما على أحد الخصمين وقضى الآخر على الخصم الآخر لا يجوز، لما ذكرنا أن الحكم في حق المتخاصمين بمنزلة القاضي المولى، والقاضي المولى إذا كان اثنين لا ينفرد أحدهما بالقضاء؛ لأن القضاء أمر يحتاج فيه إلى الرأي والخليفة رضي برأي المثنى لا برأي الواحد كذا هاهنا الخصمان رضيا برأي المثنى، فلا ينفرد أحدهما بالحكم.

وعن هذا قلنا إذا اصطلح مسلم وذمي على مسلم وذمي يحكمان بينهما وحكما جميعاً للمسلم على الذمي جاز؛ لأنهما يصلحان حكماً على الذمي، فيصلحا شاهداً عليه، ولو حكما للذمي على المسلم لا يجوز؛ لأن الذمي لا يصلح حكماً على المسلم فخرج من البين وتعذر تنفيذ حكم المسلم أيضاً، وإن صلح حكماً عليه؛ لأنه ما رضى برأيه وحده.

وعلى هذا المسلمان إذا حكما حراً وعبداً بينهما فحكم الحر بينهما لم يجز؛ لأن العبد لا يصلح حكماً، فخرج هو من البين بقي الحر منفرداً وهما ما رضيا برأي المنفرد، وإذا حكم الذميان ذمياً يحكم بينهما، ثم أسلم أحد الخصمين فقد خرج الحكم من الحكومة، هكذا ذكر في «الكتاب» ، وأراد بقوله خرج من الحكومة يعني خرج عن الحكومة في حق الحكم على المسلم، أما في حق الحكم على الذمي يبقى حكماً، وهذا لما عرف أن البقاء معتبر بالابتداء، والذمي يصلح لابتداء التحكيم على الذمي فيصلح لبقائه حكماً عليه، ولا يصلح لابتداء التحكيم على المسلم فلا يصلح لبقائه حكماً، ويجوز حكم الحاكم المحكم في الطلاق المضاف إليه أشار في صلح «الأصل» وفي «أدب القاضي» للخصاف، فإنه استثنى من حكمه في صلح «الأصل» الحدود. وفي «أدب القاضي» استثنى الحدود والقصاص، فهذا إشارة إلى أن ما عدا ذلك داخل في حكمه،

<<  <  ج: ص:  >  >>