وهو الصحيح من المذهب، لكن كثير من مشايخنا امتنعوا عن الفتوى في الطلاق المضاف وأمثاله كيلا يتجاسر العوام، فيؤدي إلى التهاون بأحكام الشرع.
وإذا حلف الحكم أحد الخصمين ونكل عن اليمين وقضى عليه، فقال المقضي عليه: لا أجيز حكمه علي وحلفه، فحكمه عليه ماض، ألا ترى أن المقضي عليه بالنكول من جهة القاضي لو أراد أن يرد قضاءه عليه، ليس له ذلك كذا هاهنا لما مر أن الحكم فيما بين المتخاصمين بمنزلة القاضي المولى، ولو كان المدعي من الابتداء أقام البينة على دعواه وعدلوا وحكم الحاكم بها على المدعى عليه جاز كما يجوز من القاضي المولى، فإن أنكر المقضي عليه الحكم أو أنكر التحكيم وادعى المدعي ذلك كان للمدعي أن يحلفه؛ لأنه يدعي عليه معنى لو أقر به يلزمه، فإذا أنكر يستحلف عليه كما في سائر الدعاوي، فإن نكل عن اليمين لزمه دعوى صاحبه، وإن كان المدعي أقام بينة على ما ادعى من التحكيم والحكم ينظر إن كان الشهود الذين شهدوا على التحكيم والحكم (غير) الذين يجري الحكم بشهادتهم، لا تقبل شهادتهم لتمكن التهمة في الفصل الثاني؛ لأنهم يريدون تصحيح شهادتهم الأولى وإلزام حكمهما بواسطة ما قالا، ومثل هذه التهمة منتفية عن شهادتهم في الفصل الأول.
وفي «الزيادات» : إذا رفع حكم الحاكم في المجتهدات إلى قاض يرى خلاف ما حكم فنفذه مع ذلك، ثم رفع إلى قاض آخر يرى رد حكم الحكم أيضاً فالقاضي الثاني لا يرده؛ لأن إجازة القاضي حكم الحكم بمنزلة إنشاء القضاء منه، والقاضي إذا قضى في المجتهدات بخلاف رأيه ينفذ قضاؤه، وقد ذكرنا هذا الفصل مع ما فيه من الخلاف فيما تقدم، وإذا لم يكن القاضي مأذوناً في الاستخلاف فأمر رجلاً حتى حكم بين اثنين، وأجاز القاضي حكم ذلك الحكم، قد ذكرنا أنه ينفذ حكمه على إحدى الروايتين ولكن هذا إذا كان الحاكم ممن يصلح قاضياً، وإن كان لا يصلح قاضياً كالعبد والصبي وغيرهما لا ينفذ حكمه بإجازته باتفاق الروايات، وإن كان ممن يختلف الفقهاء في صلاحيته للحكومة نفذ حكمه بإجازته؛ لأن إجازة القاضي حكم الحكم قضاء منه بأصالته، وإنه مجتهد فيه وقضاء القاضي في المجتهدات نافذ.
وإذا حكما رجلاً فيما بينهما فقضى لأحدهما على صاحبه باجتهاده، ثم رجع عن قضائه وقضى للآخر، فإن القضاء الأول ماض والقضاء الثاني باطل، لما ذكرنا إن الحكم في حق الخصمين بمنزلة القاضي المولى في حق الناس كافة، والقاضي المولى متى قضى بحادثة باجتهاده ثم أراد أن ينقض ذلك القضاء ويقضي بخلافه في تلك الحادثة ليس له ذلك كذا هنا.
وإذا اصطلح الرجلان على حكم يحكم فيها بينهما، فقضى لأحدهما على صاحبه في بعض الدعاوي الذي حكماه في ذلك، ثم رجع المقضي عليه عن تحكيم هذا الحكم فيما بقى من الدعاوي، فإن قضاء الأول نافذ وما يقضى بعد ذلك لا ينفذ كما ذكرنا إن عزل كل واحد منهما للحكم عامل فيما لم يقض بعد، فأما فيما قضى نفذ ووقع الفراغ