ورجعت في التعريف عن حالهم إلى من إليه التزكية والتعديل بالناحية، وهم فلان وفلان، فنسباهم إلى العدالة والرضا وقبول الشهادة.
فإن عدل بعضهم وجرح البعض، فإنه يكتب اسم من عدلاه؛ لأن القاضي المكتوب إليه إنما يقضي بشهادة العدلين، وكذلك يذكر اسم المزكين؛ لأن العدالة إنما تثبت بقولهم، فينبغي أن يعرفهم القاضي المكتوب إليه حتى يعلم أنه هل يجوز الاعتماد على قولهم في التزكية؟ وإنما كتب القاضي الكاتب السؤال عن الشهود وتعرف عن حالهم؛ لأنه لو لم يكتب ذلك احتاج القاضي المكتوب إليه إلى السؤال عنهم حتى يمكنه القضاء بشهادتهم، والسؤال عنهم، وعسى لا يمكنه ذلك في مصره، فيكتب القاضي ذلك حتى يعلم القاضي المكتوب إليه أن لا حاجة إلى السؤال عن حالهم.
قال الخصاف رحمه الله في «أدب القاضي» : ولو لم يكتب القاضي الكاتب في الكتاب أسماء الشهود الذين شهدوا عنده، وأخفى واكتفى بقوله شهد بذلك عندي شهود عدول كفى.
قال: وهذا لما قلنا في القاضي إذا كتب في السجل إن شاء أظهر فيه أسماء الشهود وأنسابهم وإن شاء أخفى، واكتفى بقوله بعدما ثبت عندي شهادة شهود عدول كذا هاهنا.
ثم القاضي الكاتب بعدما ظهرت عنده عدالة الشهود الذين شهدوا عنده بالحق للمدعي يحلف المدعي، فإن كان المدعى ديناً يستحلفه بالله ما قبضتَ هذا المال منه، ولا تعلم أن رسولاً لك أو وكيلاً لك قبض منه، أما أصل الاستحلاف مع أنه ليس هاهنا أحد يدعيه؛ لأن القاضي ناظر الكل من عجز عن النظر لنفسه بنفسه، والغائب عاجز عن النظر لنفسه بنفسه، فينظر له القاضي باستحلاف خصمه.
هذا كما نقول فيمن ادعى ديناً على ميت وأقام البينة: إن القاضي يحلِّفع بالله بما استوفيت هذا الدين ولا أبرأته منه؛ لأن الميت عاجز عن النظر لنفسه بنفسه، فينظر له القاضي بالاستحلاف، وإذا استحلفه يحلف بالله ما قبضت هذا المال من هذا المدعى عليه، ولا يعلم أن رسولك أو وكيلك قبض هذا المال منه ولا أبرأته ولا أحلته به على أحد ولا اغتصبت مثله من جنسه ولا اغتصبت به؛ لأن الواحد من هذا لا تحصل براءة المدعى عليه، فيحلفه على جميع ذلك على الثبات والأصح ما ذكرنا؛ لأن الحلف على فعل الغير يكون على العلم، وسيأتي بيان ذلك في فصل اليمين إن شاء الله تعالى.
وإذا عرفت حكم الاستحلاف في الدين فكذا في جميع الدعاوي التي يجوز فيها الكتاب؛ لأن الاستحلاف لنظر الغائب وإنه موجود في جميع هذه الفصول، ويحتاط القاضي في كل فصل حتى لا يستحلفه على ما يبطل دعواه، ويذكر في كتابه استحلاف المدعي، وكيفية استحلافه وما كان منه على وجه النظر للغائب ليكون أبلغ في العذر وأقرب إلى تحقيق معنى العدل، وهذا إذا لم يذهب المدعي بالكتاب بنفسه بل نصب وكيلاً.
فأما إذا ذهب بالكتاب بنفسه، فالقاضي الكاتب لا يحتاج إلى هذا الاحتياط وإلى