للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الذي استعمل، هل يعمل به؟ ينظر إن كان في الكتاب وإلى كل من يصل إليه، من قضاة المسلمين يعمل به، وإن كان بخلافه لا يعمل به عندنا خلافاً للشافعي رحمه الله، والصحيح قولنا؛ لأن القاضي الكاتب اعتمد على (٩١أ٤) علم الأول وأمانته، والقضاة يتفاوتون في أداء الأمانات؛ لأنهم غير معصومين عن الخيانة، فصاروا كالأمناء في الأموال، وثمة التعيين صحيح، فكذا هاهنا. وإذا صح التعيين ظهر أن الثاني غير المكتوب إليه وغير المكتوب إليه، لا يملك القضاء بالكتاب، بخلاف ما إذا كان في الكتاب، وإلى كل من يصل إليه من قضاة المسلمين؛ لأن هناك اعتمد على علم الكل وأمانتهم فكان الكل مكتوباً إليهم، أما هاهنا بخلافه.

وقال في كتاب الحوالة: وإذا جاء الرجل بكتاب القاضي إلى قاضٍ آخر، فلم يجد خصمه ثمة، فسأل الطالب القاضي المكتوب إليه أن يكتب له إلى قاض آخر بما أتاه من القاضي الأول فعل إذا ثبت عنده ذلك، وشرط الثبوت ما ذكرنا؛ وهذا لأن شهادة الشهود الذين شهدوا عند القاضي الكاتب صار منقولاً إلى المكتوب إليه حكماً، فيعتبر بما لو شهدوا عنده حقيقة ولو شهدوا عنده حقيقة وطلب المدعي من القاضي أن يكتب له كتاباً إلى قاضي البلد الذي خصمه هناك، أليس أنه يكتب له كتاباً؟ كذا هنا، إلا أن القاضي المكتوب إليه إنما يكتب بقدر ما ثبت عنده، والثابت عنده كتاب القاضي الأول بالحق على الغائب لا نفس الحق، فيكتب ويفسخ كتاب القاضي الأول؛ لأنه هو أصل الحجة وإن شاء حكاه ذلك في كتابه، وكذلك إن كان المدعي، قال للقاضي الأول: إني لا آخذ من الشهود من يصحبني إلى بلد الخصم فاكتب إلى قاضي بلد كذا، فكتب ذلك القاضي إلى قاضي بلد الخصم، أجابه القاضي إلى ذلك، فإن الإنسان عسى يصير مبتلى بهذه فربما لا يجد من بلد الكاتب، فلعله يذهب إلى بلد الخصم، ويجد قافلة من بلدة أخرى يذهب إلى بلد الخصم، ومن هذه البلدة إلى تلك البلدة، وكذلك على هذا لو عرض الشهود الذين على الكتاب فأشهدوا على شهادتهم جاز ذلك.

وإذا شهد الفروع على شهادة الأصول على الكتاب بما ذكرنا من الشرائط عند المكتوب إليه فإنه يقبله؛ لأن الشهادة على الشهادة حجة في إثبات الحقوق التي تثبت مع الشبهات، فجاز أن يثبت بالشهادة على الشهادة، فيثبت بشهادة الفروع شهادة الأصول، ويثبت بشهادة الأصول كتاب القاضي إليه، فلو كان المدعي قال للقاضي الأول: اكتب لي إلى قاضي مرو أو إلى قاضي نيسابور حتى أذهب إلى مرو، فإن وجدت خصمي ثمة وإلا ذهبت إلى قاضي نيسابور، فعلى قول أبي يوسف رحمه الله: القاضي يجيبه (إلى) ذلك؛ لأنه توسع في هذا الباب حتى جوّز الكتاب إلى كل من يصل إليه من قضاة المسلمين للحاجة، والجهالة فيه أعظم، فإن كان يجوز ثمة فهاهنا أولى، وعند أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله لا يكتب على هذا الوجه؛ لأن جهالة المكتوب إليه عندهما مانعة صحة الكتاب.

ولو كان كتب إلى قاضي مرو فوجد الطالب خصمه هناك وأقام البينة على الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>