(ينبغي) ذلك ينبغي أن يبين في الكتاب، أنه قد كتب له مرة إلى قاضي بلدة كذا بهذه النسخة ليزول به الالتباس، وكذلك لو أن الطالب قال: قد ضاع مني الكتاب وطلب من القاضي أن يكتب له ثانياً، يكتب لما قلنا وبين في الكتاب أنه قد كتب له بهذه النسخة مرة وإنه زعم أنه ضاع حتى يزول به الالتباس.
قال في «أدب القاضي» : وإذا كتب كتاباً بحق لرجل، فلم يخرج الكتاب من يده حتى حضر الخصم الذي أخذ الكتاب عليه، فقدمه إليه فإنه لا ينبغي للقاضي أن يقضي عليه بذلك حتى يعيد المدعي البينة على ذلك بحضرته؛ لأنه إنما سمع تلك البينة للنقل لا للقضاء، فصار بمنزلة شاهد الفرع إذا تحمل الشهادة عن الأصل ثم استقضى لم يكن له أن يقضي بشهادة الأصل حتى يشهدوا عنده ثانياً على الحق؛ لأنه إنما سمع منهم تلك الشهادة ليتحمل شهادته عليها لا ليقضي بها، فلم يجز له أن يقضي بها، وهذا لأن البينة للقضاء شرط صحتها حضرة الخصم وتقدير جحوده ولم يوجد فلا يجوز القضاء بها.
وإن كتب القاضي إلى الأمير الذي استعمله أي قلده، وهو معه في المصر: أصلح الله الأمير وقص القصة والشهادة وبعث بالكتاب معه ثقة يعرفه الأمير، فإن أمضاه الأمير فهو جائز، وإن لم يكن معنوناً ولا مختوماً، ولا شهد عليه الشهود أنه كتاب القاضي وختمه وهذا استحسان.
والقياس أن لا يجوز إذا لم يكن عليه عنوان باسم القاضي، واسم الأمير واسم آبائهما وأجدادهما، ولا يكون مختوماً ولا شهد عليه شاهدان؛ لأن الكتاب إذا لم يكن مختوماً لا يؤمن فيه الزيادة والنقصان والتغيير والتبديل؛ ولأنه بدون الشهادة والعنوان لا يثبت أنه كتاب القاضي إليه فوجب أن لا يقبل كما إذا كان الأمير في مصر آخر وكما في كتاب القاضي إلى القاضي.
وجه الاستحسان: أن كتاب القاضي إلى الأمير في المصر ينكر؛ لأنه يستعين به في كل ما يعجز بنفسه، فلو شرطنا هذه الشرائط أدى (إلى) حرج بخلاف ما إذا كانا في مصرين؛ ولأنه قل ما يتجاسر أحد على التغيير في الكتاب إلى الأمير إذا كانا في مصر واحد؛ لأنهما يلتقيان عن قريب، فيتذاكران ما نقل أحدهما إلى الآخر فيقفان على التغيير لو حصل فلا يتجاسر أحد على ذلك، بخلاف ما إذا كان في مصر آخر؛ لأنه لا يقف على التغيير فيبالغ في الاحتياط.
قال في «الأصل» : ولا يُقبل كتاب برستاق أو قرية ولا كتاب عاملها، وإنما يقبل كتاب قاضي مدينة فيها منبر وجماعة. وهذا على «ظاهر الرواية» ؛ لأن على «ظاهر الرواية» : المصر شرط لنفاذ القضاء، ولكتاب القاضي حكم القضاء، أما على الرواية التي لم يشترط المصر فيها لنفاذ القضاء يقبل كتاب الرستاق وقاضي القرية.
ولو أن رجلاً في يديه أمة أقام الآخر البينة أنها له، وقضى القاضي له فقال الذي في يديه: إني اشتريتها من فلان وهو في بلد كذا وقد دفعت الثمن إليه فاسمع شهودي واكتب لي، فإنه يكتب له في ذلك بما يصح عنده، لأنه يريد الرجوع بالثمن وإنه دين،