للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فصار بمنزلة سائر الديون، فيكتب فيه القاضي كما في سائر الديون.

ولو أن جارية في يدي رجل ادعت أنها حرة الأصل (٩١ب٤) بعد ما أقرت بالرق وأقامت البينة قضى القاضي بحريتها؛ إما لأن التناقض لا يمنع صحة الدعوى في الحرية؛ لأنها لا تحتمل الفسخ؛ أو لأن دعوى الأمة ليست بشرط لسماع البينة على حريتها. فإن أقام الذي في يديه البينة على أنه اشتراها من فلان الغائب بكذا ونقده الثمن، وطلب من القاضي الكتاب يجيبه إلى ذلك؛ لأنه يريد الرجوع بالثمن وإنه دين. ولو أنها لم تقم البينة على حريتها ولكن ادعت الحرية وأنكرت إقرارها بالرق، ولم يكن لذي اليد بينة على إقرارها بالرق جعلها القاضي حرة؛ لأنها في يد نفسها، والقول قولها بغير يمين عند أبي حنيفة خلافاً لهما، فإنهما يجعلان عليها اليمين.

فإن قال ذو اليد: إني اشتريتها من فلان ونقدته الثمن فاسمع من شهودي لأرجع عليه بالثمن لا يجيبه إلى ذلك بخلاف المسألة الأولى. والفرق أن في هذه المسألة القاضي ما قضى بحريتها بل تركها على ما كانت، وقد كانت على الحرية بحكم ظاهر الدار؛ لأن الدار دار الإسلام، ومن كانت في دار الإسلام فالظاهر أنها حرة، لكن لم يكن يحكم بحريتها قبل دعواها؛ لأن سكوتها مخالف لذلك الظاهر، فإذا ادعت الحرية فقد تقرر حكم ذلك الظاهر فتركها القاضي على ما أوجبه الظاهر، لا أن الحرية وجبت بقضائه، وإذا لم يكن هذا قضاء بالحرية لم تظهر الحرية في حق البائع، فلا يكون للمشتري حق الرجوع على البائع أما في المسألة الأولى القاضي قضى بالحرية وأوجبها بالبينة، وإنه قضاء على الناس كافة، فتظهر الحرية في حق البائع فيستحق لهما الرجوع على البائع.

وكذلك إذا ادعت حرية الأصل بعدما أقرت بالرق وصدقها صاحب اليد لا يرجع المشتري بالثمن على البائع؛ لأن الحرية إنما ظهرت بإقرار صاحب اليد، وإقراره لا يكون حجة على البائع، وكذلك إذا أنكرت الرق ابتداء، وادعت حرية الأصل حتى كان القول قولها لا يكون للمشتري أن يرجع بالثمن على البائع، فإن أراد المشتري أن يحلف البائع في هذين الفصلين ما يعلم أنها حرة الأصل يريد به الرجوع بالثمن على البائع فله ذلك؛ لأنه يدعي عليه معنى لو أقر به يلزمه، فإذا أنكر يستحلف فإن حلف لا شيء عليه، وإن نكل فقد أقر بما ادعاه المشتري فيلزمه رد جميع الثمن.

فإن قيل: كيف يحلف البائع هاهنا، وإن التحليف يترتب على دعوى صحيحة ودعوى الحرية من المشتري لم تصح لمكان التناقض، فإن الإقدام على الشراء إقرار بالرق عليها قلنا: لا بل دعوى الحرية من المشتري صحيحة مع تناقضها لما عرف أن التناقض لا تمنع صحة دعوى الحرية، فلو أن المشتري في هذين الفصلين لم يطلب تحليف البائع ولكنه أراد أن يقيم البينة على حريتها يريد به الرجوع بالثمن على البائع، سمعت بينته.

فرق بين هذا وبينما إذا ادعى رجل عيناً في يدي رجل وأقر صاحب اليد بالعين له لا يكون لصاحب اليد أن يرجع على بائعه بالثمن، فلو قال صاحب اليد: أنا أقيم البينة على

<<  <  ج: ص:  >  >>