يستعمل في الديون فيجمع بينهما احتياطاً، وجمع أيضاً بين كل المدعى به وبين بعضه؛ لأنه ربما أداه بعض هذا المال وأبرأه عن بعض المال، فلو حلفناه على الكل يحلف، ويكون صادقاً في الحلف ولا يلزم الحنث، فيجمع بين الكل وبين البعض احتياطاً.
قال أبو عمرو الطبري: لا ينبغي للحاكم أن يقول في الاستحلاف: ولا شيء منه؛ لأن التحليف بناء على الدعوى، فلا يزاد على مقدار الدعوى.
وكذلك إذا ادعى ملكاً في عين حاضر أو حقاً في عين حاضر ادعاه مطلقاً، ولم يذكر له سبباً يحلف على الحاصل، فيحلف بالله ما هذا العين لفلان بن فلان، ولا شيء منه يجمع بين الكل وبين البعض احتياطاً، وإن ادعاه بناء على السبب بأن ادعى عليه ديناً بسبب القرض أو بسبب الشراء، أو ادعى ملكاً بسبب البيع أو الهبة، أو ادعى غصباً أو وديعة أو عارية يستحلف على حاصل الدعوى في ظاهر رواية أصحابنا رحمهم الله، ولا يستحلف على السبب قضى عليه في كتاب الحوالة والكفالة حتى لا يستحلف: ما استقرضت منه هذا المال، ما غصبته، ما أودعته، ما اشتريت منه هذا العين بكذا، ما بعت منه هذا العين.
ووجه ذلك: أن في الاستحلاف على السبب ضرراً بالمدعى عليه، فالسبب قد يوجد ويثبت حكمه ثم ينفسخ السبب ويبطل حكمه، أو يبطل الدين بالإبراء والإيفاء، ويعود الملك إليه في العين بالهبة أو البيع ويبطل حكم الغصب والوديعة والعارية بالرد، فلو حلف على السبب لا يمكنه أن يحلف على انتفاء السبب لوجوده، ولو أقر بالسبب وادعى الناقض والمبطل لكانت الحجة عليه، وربما لا يمكنه إقامة الحجة وفيه من الضرر ما لا يخفى، وليس في الاستحلاف على الحاصل ضرر بالمدعي، فيحلف على الحاصل لهذا حتى لو كان في الاستحلاف على الحاصل ضرر بالمدعي بأن كان بين العلماء اختلاف أن ما يدعيه هل هو سبب لذلك الحكم؟ يحلف على السبب؛ لأنه لو حلف على الحاصل يحلف ويتأول قول من يقول بأنه ليس بسبب، وإن الحكم ليس ثابت فيحلف على السبب دفعاً للضرر عن المدعي، وكذلك إذا لم يكن في التحليف على السبب ضرر بالمدعى عليه بأن كان ما يدعيه شيئاً لا يحتمل الانفساخ وحكمه لا يحتمل البطلان كإعتاق العبد المسلم يحلف على السبب ليكون التحليف موافقاً للدعوى والإنكار.
وروي عن أبي يوسف أنه يستحلف على السبب في هذه الصورة؛ لأن الاستحلاف يترتب على الدعوى، فيكون على وفق الدعوى والإنكار. وما ذكر من وهم الضرر يندفع بالتعريض بأن يقول المدعى عليه للقاضي: الإنسان قد يلزمه المال بسبب ثم يبطل المال عنه، إما بانفساخ السبب أو بالإيفاء أو بالإبراء، ولو أقر بالسبب عسى لا يمكنه إثبات ذلك الفسخ، أو الإبراء فيلزمه المال فإذا عرض على هذا الوجه، فالقاضي لا يحلفه على السبب، بل يحلفه على الحاصل.
وذكر الشيخ الإمام الأجل شمس الأئمة الحلواني رحمه الله في شرح هذا الكتاب رواية أخرى عن أبي يوسف رحمه الله: أنه إذا أنكر المدعى عليه السبب بأن أنكر