وحكي عن القاضي الإمام أبي علي النسفي رحمه الله أنه قال: خرجت حاجّاً فدخلت على القاضي الإمام أبي عاصم العامري رحمه الله وهو يدرس، والخليفة يحكم، فادعت امرأة على زوجها نفقة العدة وأنكر الزوج، فحلّف الخليفة الرجل بالله ما عليك تسليم النفقة من الوجه الذي يدعي فيها الرجل ليحلف، فنظرت إلى القاضي، فعلم القاضي أني لماذا أنظر فنادى الخليفة إن يسأل الرجل من أي المحلة هو حتى إنه إن كان من أصحاب الحديث حلفه بالله ما هي معتدة منك.
وفي كتاب الاستحلاف: امرأة اختلعت من زوجها بمهرها، وجحد الزوج ذلك فالقول قول الزوج ثم كيف يحلف الزوج؟ فعلى ما روي عن أبي يوسف يستحلف على السبب بالله، ما خلعتها منذ ملكتها، وعلى ظاهر الرواية يستحلف على الحاصل.
ولو أن رجلاً ادعى على رجل أنه خرق ثوباً له، فإن كان الثوب حاضراً ينظر إلى الخرق، فإن كان يسيراً فموجبه النقصان بلا خلاف يقوم الثوب صحيحاً، ويقوم منخرقاً، فتفاوت ما بينهما موجبه بلا خلاف فيحلف المدعى عليه بالله ما له عليك هذا القدر من المال الذي ادعى، ولا يحلف على السبب، نظراً للمدعى عليه، لجواز أن المدعى عليه خرقه إلا أنه لا شيء عليه؛ لأن صاحب الثوب أبرأه عنه أو صالحه على شيء أو أعطاه النقصان، وليس في التحليف على الحاصل ضرر للمدعي؛ لأن موجب هذا الخرق النقصان فلا يمكنه التأويل، هكذا ذكر الخصاف وصاحب «الأقضية» رحمهما الله، وذكر هذه المسألة في كتاب الاستحلاف وقال: يحلف على السبب؛ لأن انفساخ السبب هنا لا يتصور، والصحيح ما ذكر الخصاف وصاحب «الأقضية» ؛ لأن انفساخ السبب إن كان لا يتصور فبطلان الحكم بالإبراء وما أشبهه يتصور، وإذا كان الخرق فاحشاً، فالقاضي يحلفه على السبب؛ لأن عندنا مثل هذا الخرق يوجب الخيار للمالك إن شاء ترك الثوب على الجاني وضمنه جميع القيمة، وإن شاء أخذ الثوب وضمنه النقصان، وعند الشافعي رحمه الله يوجب النقصان لا محالة، فمتى حلفنا على الحاصل يتأول قول الشافعي رحمه الله، عسى يتضرر المدعي فيحلف على الحاصل نظراً للمدعي، وإن كان الثوب غائباً فالقاضي لا يسمع دعوى المدعي إلا بعد بيان قدر النقصان حتى يصير المدعى معلوماً؛ لأن الدعوى لا تصح إذا لم يكن المدعى معلوماً.
ولو أن رجلاً ادعى على رجل أنه وضع على حائط له خشباً، أو نصب على سطحه ميزاباً في داره، أو بنى على حائط له بناء، أو أخرج من داره تراباً ورمى به في أرضه، أو ألقى في أرضه دابة ميتة، أو ما أشبه ذلك مما يكون فساداً في أرضه، ويجب على صاحب الأرض نقله، وأراد أن يحلفه حلفه (على) السبب، إذ ليس في التحليف على السبب ضرر للمدعى عليه وفيه موافقة دعوى المدعى عليه.g
بيانه: أن بعدما ثبت للمدعي حق مطالبة المدعى عليه برفع هذه الأشياء لا يتصور سقوطه بسبب من الأسباب، فإنه لو أذن له في الابتداء بذلك كان ذلك منه إعارة للحائط والأرض، فمتى بدا له كان له أن يطالبه بالرفع؛ لأن الإعارة ليست بلازمه وإن باع منه