ولو أن رجلاً قدم رجلاً إلى القاضي، وقال: هذا اشترى الدار التي في موضع كذا حدها الأول والثاني والثالث والرابع كذا بألف درهم، وأنا شفيعها بدار لي تلاصقها، فقال القاضي للمدعى عليه: ما تقول فيما ادعى، فقال المدعى عليه: هذه الدار في يدي لابني هذا الطفل صح إقراره لابنه؛ لأن الدار في يده واليد دليل الملك، فكانت الدار مملوكة له فكان هذا إقراراً على نفسه، فيصح، فإن قال الشفيع للقاضي: حلفه بالله ما أنا شفيعها، فالقاضي لا يحلفه؛ لأن إقرار الأب بالشفعة على ابنه الصغير لا يصح فلا يفيد الاستحلاف، وهذا من جملة الحيل والمخارج في دفع الخصومة وسيأتي من جنس هذا إن شاء الله تعالى.
وإن أراد الشفيع أن يقيم على الأب البينة على الشركاء كان الأب خصماً وسمع البينة عليه؛ لأن الأب قائم مقام الابن شرعاً، ولو كان الابن كبيراً كان خصماً للمدعي حتى يسمع بينته عليه ويقضى للشفيع بالشفعة، هكذا إذا كان الأب قائماً مقامه شرعاً.
ولو كان رجل ادعى على رجل أن فلاناً مات وأوصى إلى هذا الرجل وقال المدعى عليه: لم يوص إلي فإنه لا يستحلف، وكذلك لو ادعى رجل على غيره أن فلاناً وكل هذا وقال المدعى عليه: لم يوكلني لا يستحلف المدعى عليه، لأنه لو أقر به لا يصح؛ لأنه إقرار على الغير فلا يفيد الاستحلاف، وإن أقام المدعي بينة على أنه وصيّ فلان أو على أنه وكيل فلان قبلت بينته فقد جعله خصماً في حق سماع البينة، ولم يجعله خصماً في حق الاستحلاف.
وكذلك لو أن وصي الميت قدم رجلاً إلى القاضي وقال: إن فلاناً الميت أوصى إليّ وإلى هذا الرجل أو قدم رجلاً إلى القاضي، وقال: إن فلاناً وكلني وهذا الرجل بقبض ديونه، وأنكر ذلك الرجل فالقاضي لا يحلفه، وإن كان المدعي للوصاية أقام بينة أن فلاناً أوصى إليّ وإلى هذا الرجل فالقاضي يقبل بينته، فقد جعله خصماً في حق سماع البينة، ولم يجعله خصماً في الاستحلاف ومثل هذا جائز. ألا ترى أن الأب فيما يدعي على ابنه الصغير خصم في حق سماع البينة حتى يسمع البينة عليه، ولا يكون خصماً في حق اليمين كذلك ها هنا.
ولو أن رجلاً حلف بعتق عبده أن لا يزني أبداً فقدمه العبد إلى القاضي، وقال: إن هذا حلف بعتقي أن لا يزني، وقد أتى بالذي حلف عليه وحنث وعتقت، فالقاضي يحلف المولى بالله ما زنيت بعدما حلفت بعتق عبدك أن لا تزني أبداً، هكذا ذكر الخصاف في «أدب القاضي» وذكر الخصاف في شرح هذا الكتاب أن المولى لا يستحلف بالله ما زنيت على ما يدعيه العبد.
قال الشيخ الإمام الأجل شمس الأئمة السرخسي رحمه الله: الرواية محفوظة في الكتب أن القاذف إذا ادعى على المقذوف أنه صدقه أنه قد زنى، وأقام البينة على ذلك تقبل بينته، وإن لم يكن له بينة وأراد استحلاف المقذوف بالله ما صدقه في ذلك القذف يسقط الحد عن نفسه، فإنه لا يستحلف المقذوف على ذلك، ولا فرق بين المسألتين فإن