مقصود القاذف من هذه الدعوى إسقاط الحد عن نفسه لا إيجاب الحد على المقذوف، كما أن مقصود العبد هاهنا إثبات الحرية لنفسه لا إيجاب الحد عليه فلا فرق بينهما.
فتصير الرواية في القذف أن المقذوف لا يستحلف. رواية في مسألة العبد، أن المولى يستحلف رواية في مسألة المقذوف أنه يستحلف فيصير في كل مسألة روايتان.
وجه الرواية التي قال يستحلف: إن مقصود العبد إثبات الحرية لنفسه لإيجاب الحد على المولى، ومقصود القاذف إسقاط الحد عن نفسه لا إيجاب الحد على المقذوف وإثبات الحرية وإسقاط الحد ممكن مع الشبهة، ألا ترى أن القاذف إذا أقام رجلاً وامرأتين على تصديق المقذوف، أو العبد إذا أقام رجلاً وامرأتين على العتق، يقبل وكل حكم يثبت مع الشبهات يجري فيه الاستحلاف.
وجه الرواية التي قال لا يستحلف: إنه لا عبرة لمقصود العبد والقاذف وإنما العبرة لأصل ما يتعلق به من الحكم وأصل ما تعلق بالزنا من الحكم الحد، وإنه مما لا يجري فيه الاستحلاف ثم لم يذكر في «الكتاب» نصاً أن العبد هل يصير قاذفاً للمولى بما ذكر ولكن أشار إلى أنه لا يصير قاذفاً؛ لأنه قال: وقد أتى بالذي حلف عليه ولم يقل وقد زنى ولو صار قاذفاً بهذا القول لما ترك قوله: وقد زنى، ولما تحول إلى قوله وقد أتى بالذي حلف عليه وقد نص في كتاب الحدود: أن من قذف غيره بالزنا وقال آخر: هو كما قلت يصير قاذفاً؛ لأنه تقدم ذكر الزنا فيصرف قوله: هو كما قلت إلى الزنا، وصار كأنه قذفه صريحاً بالزنا، فقياس هذه المسألة على تلك المسألة أن يصير قاذفاً؛ لأنه تقدم ذكر الزنا فإن موضوع المسألة أن العبد قال في دعواه: إن هذا حلف بعتقي أن لا يزني وقد أتى بالذي حلف أي الزنا وصار كأنه قال: وقد زنى، فينبغي أن يصير قاذفاً.
ثم ذكر كيفية التحليف على المولى، فقال: يحلف بالله ما زنيت بعدما حلفت بعتق عبدك أن لا تزني أبداً، فقد حلفه على السبب، أما على ما روي عن أبي يوسف رحمه الله فظاهر، وأما على ظاهر الرواية فلأن العتق في العبد المسلم لا يحتمل النقض بعد ثبوته، فلا يكون في التحليف على السبب ضرر المدعى عليه وهو المولى.
وقد ذكرنا أن في مثل هذا، التحليف على الحاصل، ثم إذا حلف المولى، إن حلف لا شيء عليه، وإن نكل لزمه العتق ولا يلزمه الحد، وإن أقر بالزنا؛ لأنه إنما أقر به مرة.
قال: ولو أن رجلاً اشترى من رجل جراب هروي بمائة درهم فقبضه المشتري فوجد فيه أحد عشر ثوباً، فقال البائع: بعت منك هذا الجراب على أن فيه عشرة أثواب بمئة درهم، وقال المشتري: لا بل اشتريته على أن فيه أحد عشر ثوباً بمائة درهم، وأراد كل واحد منهما تحليف صاحبه، فالقاضي يحلف البائع بالله ما بعته هذا الجراب على أن فيه أحد عشر ثوباً لأن المشتري يدعي العقد في الثوب الحادي عشر والبائع ينكر، ولو أنكر العقد في جميع الأثواب كان القول قوله مع اليمين، فكذا إذا أنكر العقد في الثوب الحادي عشر، فإذا حلف إن نكل لزمه، وإن حلف رد المشتري الجراب على البائع؛ لأنه