للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

القاضي الثاني قضاء الأول حملاً له على الحق، ولكن هذا السؤال من القاضي الثاني على سبيل الاحتياط ليعلم أنه بأي سبب يستحق، حتى لو ظهر وارث آخر يعرف القاضي الثاني أن أيهما أولى بالميراث؛ ولأنه ربما يبين سبباً لا يستحق الميراث بأن جيرانه مولى الميت من أسفل، فيبطل قضاء الأول؛ لأن هذا خطأ عندنا وقد ظهر فيما هو حجة عليه وهو إقراره، فإن أخبر المدعي بسبب يكون وارثاً على وجه من الوجوه أمضى قضاء الأول بالميراث ودفع الميراث إليه، ولكن لا يقضي بالسبب الذي ادعى؛ لأن الموجود في حق السبب ليس إلا مجرد الدعوى إذا لم يعرف قضاء القاضي بهذا السبب.

أما القضاء بأصل الوراثة ثابت بشهادة الشاهدين، فلهذا قضى القاضي الثاني بالميراث دون السبب، فإن جاء رجل بعد ذلك وادعى أنه أب الميت لا وارث له غيره، وأقام على ذلك بينة، ينظر إن كان الأول بين سبباً لا يرث مع الأب بذلك السبب، جعل القاضي الثاني الميراث كله للثاني؛ لأن أبوة الثاني ثبت عند هذا القاضي بالبينة، والأول لما بين سبباً لا يرث مع الأب بذلك السبب صار مقراً أنه (١٠٤أ٤) لا حق له في الميراث، وإقرار كل مقر حجة في حقه.

وإن كان الأول بين سبباً يرث مع الأب بذلك، فإن بين أنه ابن الميت جعل القاضي للأب سدس الميراث؛ لأن القاضي الأول قضى للأول بكل الميراث، فإنما ينقض قضاؤه بالقدر المتيقن، والقدر المتيقن ها هنا السدس، فإن احتمال كون الأول ابناً كما ذكر قائم ومع الاحتمال ابنه تيقن بالخطأ، وإن ذكر الأول أنه أب الميت، وأقام الثاني أنه ابن الميت يعطى الثاني خمسة الأسداس؛ لأنه بين خطأ القاضي الأول بهذا القدر ينتقض قضاؤه، والسدس سالم للأول، وإن ذكر أنه أب الميت، وادعى الثاني أنه أب الميت وأقام على ذلك بينة قضى القاضي بأبوته جعل الميراث له؛ لأن أبوة الثاني ثبت بالقضاء بالبينة وأبوة الأب لم يثبت إلا بإقراره، وما يثبت بالبينة المفردة أقوى، فكيف إذا اتصل بها القضاء، فإن قيل: ينبغي أن يقضي القاضي بالميراث بينهما؛ لأن القاضي الأول قضى بكل الميراث الأول، فلا ينقض قضاؤه إلا بقدر المتيقن، والتيقن في مقدار النصف، فإن احتمال كون الأول أباً قائم إذ يجوز أن يكون للشخص الواحد أبوان.

ألا ترى أن الجارية المشتركة بين رجلين إذا جاءت بولد فادعياه كان الولد لهما وهما أبوه، قلنا لا يجوز أن يكون للشخص الواحد أبوان؛ لأن الأبوة بسبب الإلحاق من الماء، ولا يتصور إلا بخلاف من ماء الذكرين، ألا ترى أن في مسألة الجارية المشتركة لو مات يرثانه ميراث أب واحد، إلا أن أحكام الأبوة تثبت بينهما عند الدعوى لاستوائهما في الحجة وعدم الأولوية، وفي مسألتنا لا مساواة؛ لأن أبوة الأول تثبت بالدعوى، وأبوة الثاني تثبت بالبينة، ولا مساواة بين الدعوى والبينة حتى لو تحققت المساواة يقضى بالميراث بينهما على ما يأتي بيانه بعد هذا إن شاء الله تعالى.

واستوضح هذا بما لو جاء رجل وأقام بينة أنه أب هذا الميت، وقضى القاضي

<<  <  ج: ص:  >  >>