الحبس تتميماً لمعنى الإذن كما جوزنا الإعادة والضيافة اليسيرة منه، حتى لا تفسد عليه التجارة فها هنا أولى أو يقول: يحبس تأديباً حتى ينزجر ولا يعود لمثله لا أن يكون عقوبة، فإنه ليس من أهله هذا كما قلنا: إنه يضرب على ترك الصلاة تأديباً حتى يعتاد الصلاة هكذا قاله بعض مشايخنا.
وكان شيخ الإسلام يقول: تحبس الصغير إذا كان له وصي تأديباً حتى لا يعود لمثله، وينصح الوصي حتى يتسارع إلى قضاء الدين؛ (لأن الوصي يلازم على إيفاء الوصي في الحبس، فيصح لأجله) ، فيعجل في قضاء الدين وحبس الصبي أولى من حبسه؛ لأن الجناية إنما وجدت من الصبي لا منه، وإن لم يكن له أب أو وصي لا يحبس لنا ثمة أن أحبس تأديباً وإضجاراً للأب أو الوصي وهنا لا يمكن تحقيق معنى الإضجار والحبس في الصبي، فلم يشرع للتأديب وحده بدون الإضجار، فلم يحبس لهذا.
فأما إذا كان محجوراً عليه واستهلك لرجل مالاً فإن كان له أب أو وصي يحبس بدينه؛ لأن قضاء الدين الذي على الصغير على أبيه ووصيه فبالامتناع يصير ظالماً فيحبس، وإن لم يكن له أب أو وصي نصب القاضي قيماً ليبيع ما له بقدر الدين ويوفي الغرماء حقهم؛ لأن الحبس جزاء منع المال مع القدرة عليه عند استحقاق القضاء، ولم يستحق عليه لمكان حجره فلا يعاقب بالحبس، ولكن القاضي يوفي الغرماء حقوقهم بالطريق الذي قلنا.
والعبد لا يحبس لمولاه، لأن المولى لا يستوجب على عبده ديناً، وكذلك لا يحبس المولى لعبده إذا لم يكن عليه، فكسبه ملك المولى، فكيف يستحق على المولى قضاء الدين إياه، وإن كان مديوناً حبس فيه؛ لأن اكتسابه حق الغرماء فإنما يحبس المولى بحق الغرماء حتى يصلوا إلى ديونهم مما عليه، ويجوز حبس المولى لجانب الأجانب، ويحبس مولى المكاتب للمكاتب إذا لم يكن الدين من جنس بدل الكتابة؛ لأنه إذا كان من جنس بدل الكتابة، فقد ظفر بحبس حقه فيلتقيان قصاصاً، فلم يكن للمكاتب ولاية مطالبته بذلك الدين.v
فأما إذا كان من غير جنس بدل الكتابة فلا تقع المقاصة، والمكاتب في حق اكتسابه بمنزلة الحر، فيكون له مطالبة المولى بذلك فيحبس له عند مطله.
قال بعض مشايخنا رحمهم الله: ينبغي أن لا يحبس المولى فيه أصلاً؛ لأن للمولى في مكاتبه حقاً، فلم يتحقق الظلم من كل وجه بالمنع، والأصح ما ذكرنا أنه ليس للمولى استخلاص شيء من المكاتبة لنفسه، والمكاتب أحق من المولى يطالبه متى شاء، فإذا منع حقه يحبس له ولا يحبس المكاتب لمولاه بدين الكتابة؛ لأنه لا يصير ظالماً بالامتناع عن بدل الكتابة، فإن له أن لا يؤدي ويرد نفسه في الرق والحبس جزاء الظلم ولم يوجد، وإن كان عليه دين غير بدل الكتابة يحبس فيه؛ لأنه لا يتمكن من فسخ بسبب ذلك الدين.
قال بعض مشايخنا رحمهم الله: يجب أن يكون الجواب فيهما سواء، فإن في جميع الأحكام لم يفرق بينهما في حق المولى، ألا ترى أن الكفالة ببدل الكتابة للمولى كما لا تجوز الكفالة بدين آخر للمولى عليه، والجامع بينهما أنه متمكن من إسقاط الدين