للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عن نفسه، فإن تعجزه نفسه يرد رقيقاً فيسقط الدين عنه، ولكن في ظاهر الرواية لم يعتبر ديناً على الحقيقة، فإنه صلة من وجه بخلاف سائر الديون، فلا يحبس فيه ويحبس في سائر الديون؛ ولأن القاضي إنما يحبس المديون إذا عجز القاضي عن إيصال حق المدعي إليه بدون الحبس، حتى إذا قدر لم يكن له أن يحبسه؛ لأنه لا حاجة إلى الحبس، وها هنا قدر على ذلك؛ لأنه متى امتنع عن أداء بدل الكتابة، فللقاضي أن يفسخ الكتابة فيصل إليه الرقية ووصول الرقية كوصول بدل الكتابة بخلاف دين آخر؛ لأنه متى امتنع عن أداء ذلك الدين ولم يمتنع عن أداء بدل الكتابة ليس للقاضي أن يفسخ الكتابة، حتى تصل إليه الرقية، فتعين الحبس طريقاً للوصول إلى حقه.

فأما في الكفالة فالكفيل إنما يتحمل ما على الأصيل والأصيل مخير في جميع الديون إن شاء أدى وإن شاء عجز، وأسقط عن ذمته ولا يمكن إيجابه على الكفيل على هذا الوجه؛ لأنه لا يفيد فيطلب الكفالة وهذا المعنى يشتمل دين الكتابة وسائر الديون، فلهذا سوي بينهما.

ويحبس في الحدود القصاص إذا قامت البينة حتى يسأل عن الشهود؛ لأنه صار بهما، وقد صح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم «حبس رجلاً بالتهمة» ، فأما قبل إقامة البينة فإنه لا يحبسه؛ لأن الحبس عقوبة، فلا يجوز أن يثبت بمجرد الدعوى، فإن شهد شاهد واحد عدل بذلك حبسه عند أبي حنيفة رضي الله عنه وعندهما لا يحبسه في حد القذف والقصاص؛ لأن عندهما في حد القذف والقصاص يأخذ منه كفيلاً، فقد حصل التوثق فلا حاجة إلى الحبس، وعند أبي حنيفة لا تجوز الكفالة في جميع الحدود، فيحتاج إلى التوثق فحبسه؛ لأنه صار متهماً بارتكاب الكبيرة بشهادة هذا الشاهد؛ لأنه وجد أحد شطري الشهادة وهي العدالة إن لم يوجد العدد دون العدالة، بأن شهد شاهدان مستوران وثمة يحبسه كذا هاهنا، ولا يحبس العاقلة في الدية والأرش؛ لأنه وجب ليؤخذ من عطائهم وقد أمكن إذا كانوا من أهل الديوان فلا معنى للحبس حتى إذا لم يكونوا من أهل الديوان ولا عطاء لهم فيه يحبسون؛ لأن الدية في أموالهم فحبسون إذا امتنعوا عن الأداء، لأنه تحقق ظلمهم يمنع الحق عن المستحق، فصار كسائر الديون، فيحبسون.

وإن طلب المدعي اليمين في القصاص، فامتنع عنه المدعى عليه ونكل، فإنه يحبس عند أبي حنيفة رضي الله عنه، وقد مرت المسألة؛ لأنه يقضي عليه بالمال بالنكول عن اليمين في القصاص بالنفس، فكان اليمين مستحقاً عليه، لعيبه فيحبس عند الامتناع منه وكذلك في اليمين في القسامة ويحبس الدعار، والذين هم مخوفون على المسلمين وأهل الفساد حتى يعرف منهم التوبة، والداعر من يقصد إتلاف أموال الناس وأنفسهم أوكلاهما، فإذا كان يخاف على الناس منه في النفس والمال حبس في السجن، حتى

<<  <  ج: ص:  >  >>