تظهر منه التوبة؛ لأنه إنما يندفع شره عن الناس بالحبس.
ألا ترى أن الله تعالى أمر في حق قطاع الطريق بالحبس الدائم، قوله تعالى:{أو ينفوا من الأرض}(المائدة: ٣٣) لما أنه يخاف الناس منهم على أموالهم في الطريق، فكذا ها هنا يحبس أيضاً؛ لأنه يخاف منه وينبغي أن يكون للنساء محبس على حدة تحرزاً عن الفتنة.
وعن أبي حنيفة رضي الله عنه أن المرأة تحبس في مجلس النساء ولكن يحفظها الرجال؛ لأن الرجال أقدر على الحفظ من النساء ولا تتحقق معنى الفتنة في الحفظ.
وإذا حبس كفيل الرجل بأمره بالمال فللكفيل أن يحبس الذي عليه الأصل؛ لأن الأصيل هو الذي أوقعه في هذه الورطة، فكان له أن يحبسه حتى يخلصه عنها.
ألا ترى أن الكفيل لو طولب بالمال كان له أن يطالب الأصيل، فإذا لوزم كان له أن يلازم الأصيل، وإذا أخذ من الكفيل كان له أن يأخذ من الأصيل وطريقه ما قلنا.
فإن حبس رجل في دين فجاء آخر يطالبه بالدين، فإن القاضي يخرج المطلوب حتى يجمع بينه وبين المدعي، لأنه إنما يحبس بدين الأول نظراً للأول حتى يصل إلى حقه، فلا ينظر له على وجه يضر بغيره؛ ولأنه لا ضرر على الأول في الإخراج من السجن لسماع الدعوى عليه ثم يعاد فيه، فقلنا: بأنه يخرج من السجن ويجمع بينه وبين المدعي، فإن قامت للمدعي بينة عادلة أو أقر أعاده إلى السجن، وكتب في ديوانه أنه محبوس بحق هذا المدعي أيضاً مع الأول؛ لأنه ظهر أنه ظلمه بمنع حقه عنه، فاستحق الحبس ليضجر فيسارع إلى قضاء دينه ولا تنافي بين أن يكون محبوس الأول والثاني، فلهذا يحبسه لهما حتى يقضي دينهما جميعاً، ولكن ينبغي أن يكتب في ديوانه أنه محبوس بدين فلان وفلان يسميهما حتى إذا قضى دين أحدهما يبقى محبوساً بالآخر.
قال محمد رحمه الله في كتاب الحوالة: إذا حبس الرجل بالدين شهرين أو ثلاثة سأل القاضي عنه في السر وإن شاء سأل عنه في السر أول ما يحبسه، ذكر في كتاب الحوالة شهرين أو ثلاثة، وذكر في بعض المواضع أربعة أشهر، وفي رواية الحسن عن أبي (١٠٧أ٤) حنيفة رضي الله عنه ستة أشهر.
وفي رواية الطحاوي عن أبي حنيفة رضي الله عنه شهراً، وكثير من مشايخنا أخذوا برواية الطحاوي، وبعض مشايخنا قالوا: القاضي ينظر إلى المحبوس إن رأى عليه زي أهل الفقر وهو صاحب عيال، فشكوا عياله إلى القاضي البؤس وضيق النفقة وكان ليناً عند جواب خصمه خلاه شهراً، ثم يسأل وإن رأى في عمل جواب خصمه وعرف تمرده ورأى أن عليه علامة اليسار حبسه أربعة أشهر إلى ستة أشهر، ثم يسأل وإن كان فيما بين ذلك حبسه شهرين إلى ثلاثة أشهر ثم يسأل وبه يفتي الشيخ الإمام الأجل ظهير الدين المرغنياني، وكثير من مشايخنا قالوا: ليس في هذا التقدير تقدير لازم.
وفي رواية هشام عن محمد رحمه الله ما يدل على هذا القول، فقد روى هشام عن محمد رحمه الله أن القاضي يسأل عن حال المحبوس ولا يعتبر في ذلك مدة؛ وهذا لأن