للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الحبس للإضجار وذلك مما يختلف فيه أحوال الناس، فيكون ذلك مفوضاً إلى رأي القاضي، فإن وقع في رأيه أن هذا الرجل يضجر بهذه المدة ويظهر المال إن كان له مال ولم يظهر فيسأل عن حاله بعد ذلك، فإن سأل عنه وقام البينة على عسرته أخرجه القاضي من السجن ولا يحتاج إلى لفظة الشهادة، بل إذا أخبر بذلك كفى وإن أخبره بذلك ثقة عدل أخرجه بقوله من السجن، لأن ما سبيله سبيل الأخيار يكتفي فيه بقول الواحد كالأخبار بالتوكيل والعزل وأشباه ذلك، ثم إذا سأل القاضي عنه فإنما يسأل عنه أهل الجيرة من جيرانه ومن يخالطهم في المعاملة؛ لأن الجيران أعرف بحاله؛ لأنهم يعرفون أنه يتَصدق أو يتصدق عليه، ويعرفون مدخله ومخرجه، وكذلك من يخالطه في المعاملة والتجارة؛ لأنه أعلم بيساره وعسرته، وكذلك أصدقاؤه وإنما يسأل الثقاة منهم؛ لأنه لا يجوز الاعتماد على خبر الفساق.

قال شيخ الإسلام رحمه الله في «شرحه» : هذا السؤال بالنفي والشهادة، بالنفي ليست بحجة، وكان للقاضي أن لا يسأل ويعمل برأيه، ولكن لو سأل مع هذا كان أحوط وأنفى للتهمة عن القاضي، ثم إذا أخبر أنه معسر، وأخرجه القاضي من السجن لا يحول بين الطالب وبين ملازمته عند بابه، ورد الأثر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأنه ربما يظهر له مال، فإذا لازمه أمكنه الوصول إلى حقه، ثم تفسير الملازمة أن يدور معه حيث دار ويكون معه لا يفارقه، وليس له أن يحبسه في موضع جلوسه؛ لأن ذلك حبس وليس له حق الحبس؛ هكذا ذكر في الأصل.

وذكر ابن سماعة في «نوادره» : عن محمد رحمه الله أنه قال للمدعي: أن يحبسه في مسجد حيه، وإن شاء في بيته؛ لأنه ربما يطوف به في الأسواق والسكك من غير حاجة وفي ذلك ضرر للمدعي، وعن عمرو ابن أبي عمر عن محمد رحمه الله قال: قالوا في المصر: لصاحب الحق أن يلزمه حيث أحب من المصر، فإن كان الملزوم لا معيشة له إلا من كد يده لم يكن لصاحب الحق أن يمنعه من أن يسعى في مقدار قوته يوماً فيوماً، فإذا اكتسب في ذلك القدر في يومه، فله أن يمنعه من الذهاب في ذلك ويحبسه.

قال هشام: سألت محمد رحمه الله عن رجل أخرج من الحبس على تفلس، فرأى محمد رحمه الله الملازمة مع التفليس، وأشار إلى المعنى فقال لعل عنده شيء لا علم لنا به، ذكر الملازمة وأراد بها الحبس في موضع، بدليل تفريعات المسألة قال هشام: قلت له: فإن كانت الملازمة تضير بعياله وهو ممن يكتسب في سقي الماء في طوفه، قال: آمر صاحب الحق أن يوكل غلاماً له يكون معه ولا يمنعه عن طلب قدر قوت يومه له ولعياله، وكذلك إن كان يعمل في سوقه قال: وإن شاء تركه أياماً يعني هذا المفلس ثم لازمه على قدر ذلك، قلت: فإن كان عاملاً يعمل بيده قال: إن كان عملاً يقدر أن يعمله حيث يحبس لازموه، ويعمل هو ثمة، وإن كان عملاً لا يقدر إلا على الطلب خرج وطلب، فإن كان في ملازمته ذهاب قوته وقوت عياله أمر به أن يقيم له كفيلاً بنفسه ثم يخلي سبيله فليسترزق الله تعالى.

<<  <  ج: ص:  >  >>