وفي كتاب «الأقضية» : إن كان العمل سقي الماء ونحوه ليس لصاحب الحق أن يمنعه من ذلك، ولكن إما أن يلزمه أو يلزمه نائبه أو أجيره أو غلامه إلا إذا كفاه نفقته ونفقة عياله، وأعطاه حينئذٍ كان له أن يمنعه من ذلك؛ لأنه لا ضرر على الملزوم في هذه الصورة، وفيه أيضاً ليس لصاحب الحق أن يمنع الملزوم أن يدخل في بيته لغائط أو غداء إلا إذا أعطاه الغداء وأعد موضعاً آخر له لأجل الغائط حينئذٍ أن يمنعه من ذلك حتى لا يهرب.
وفي نوادر أبي يوسف رحمه الله إذا لازم الطالب المطلوب بغلامه، فأبى الغريم أن يحبس مع الغلام وقال: لا أحبس إلا مع الطالب، فله ذلك، وفيه أيضاً إذا كان المطلوب يطوف بالطالب من غير حاجة وعلم ذلك منه كان للطالب أن يهيئ له بيتاً ويلزمه فيه، ولكن إذا أعطاه نفقته ونفقة عياله؛ لأنه لا ضرر على المطلوب حينئذٍ.
وحكى عن الفقيه أبي جعفر الهندواني رحمه الله: أن الطالب لا يلازم المطلوب بالليالي؛ لأن الملازمة بالليالي لا تفيد؛ لأن فائدة الملازمة أن المطلوب إذا اكتسب شيئاً فالطالب يأخذ ذلك، والليالي ليست وقت الكسب، فلا يتوجه وقوع المال في يده فيها، حتى لو كان الرجل ممن يكتسب في الليالي يلازمه وسيأتي بعد هذا في حق المرأة الملازمة في الليالي من غير فصل.
وعن محمد رحمه الله أن للطالب أن يلازم الغريم، وإن لم يأمره القاضي بملازمته، ولأفلته إذا كان مقراً بحقه، فإن قال الغريم: احبسني وأبى الطالب إلا الملازمة قال: يلازمه، وعنه أنه سئل عن ملازمة المرأة، فقال: آمر غريمها أن يأمر امرأة حتى تلازمها، فقيل إن لم يقدر الغريم على امرأة تلازمها قال أقول لغريمها: اجعل معها امرأة تكون معها في بيتها وتكون أنت على الباب أو تكون المرأة في بيت نفسها وحدها ويكون الغريم على الباب، قيل له: إذا هربت المرأة وتذهب قال: ليس له إلا ذلك.
وذكر ابن رستم عن محمد رحمه الله أنه يلازم في موضع لا يخاف عليها الفتنة كالمساجد والأسواق ونحو ذلك إن شاء برجال، وإن شاء بنساء، وهذا في النهار، فأما في الليل فيلازمها بالنساء لا محالة والحاصل أنها تلازم على وجه يقع الأمن عن الفتنة من كل وجه.
ذكر هلال في كتاب الوقف إذا شهد الشهود بعد مضي المدة أنه فقير، فالقاضي لا يخلي سبيله حتى يسأل في السر وأنه حسن، فإن وافق خبر السر شهادة والشهود لا يخلي سبيله أيضاً: حتى يستحلف المحبوس؛ لأنه لا يعرف مال المحبوس وغناه على الحقيقة غيره إنما يعرفه هو فيستحلف، ثم يخلي سبيله، وإن خالف خبر السر بشهادة الشهود أخذ بخبر العدل في السر؛ لأنه مثبت والشهادة باقية، فإن أقام المحبوس بينة على عسرته، وأقام صاحب الحق بينة على يساره أخذ بينته؛ لأنه يثبت أمراً أصلياً وهو الفقر، وكانت بينة صاحب الحق أكثر إثباتاً، فكانت أولى بالقبول، ولم يذكر محمد رحمه الله في شيء من الكتب كيفية الشهادة على الإفلاس.