للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وذكر الخصاف رحمه الله في «كتاب الوقف» أنه ينبغي أن يشهدوا أنه فقير لا يعلم له مالاً ولا عرضاً من العروض يخرج بذلك عن حالة الفقر.

وحكي عن الفقيه أبي القاسم رحمه الله أنه قال: ينبغي أن يقولوا: إنه مفلس معدم لا نعلم له مالاً سوى كسوته التي عليه وثياب ليله، وقد اختبرنا أمره في السر والعلانية وهذا أتم وأبلغ، ثم إذا ثبت عسرته، فالقاضي لا يحبسه بعد ذلك ما لم يعرف له مالاً؛ لأنه علم أنه ينظر بأنظار الله تعالى.

وإن قامت البينة على عسرته قبل الحبس هل يقبلها القاضي؟ فيه روايتان:

في رواية يقبل وهو اختيار الشيخ الإمام الجليل أبي بكر محمد بن الفضل رحمه الله.

وفي رواية أخرى لا يقبل وهو اختيار المشايخ؛ لأنها قامت على النفي، فلا يقبل إلا إذا تأيدت بمؤيد، فإذا مضت في الحبس مدة لو كان قادراً على القضاء لما تحمل مرارة الحبس إلى هذه المدة، ولتسارع إلى قضاء الدين ولم يقض، فالظاهر أنه معسر فقد تأيدت هذه البينة بمؤيد فيقبل، وإن قامت البينة على عسرته بعدما مضت مدة في الحبس، وكان الطالب غائباً فالقاضي لا ينتظر حضور الغائب بل يخرجه من السجن؛ لأنه إذا ثبت عسرته كان استدامة حبسه ظلماً، والقاضي نصب لدفع الظلم إلا لأسبابه فيخلي سبيله، ولكن يأخذ منه كفيلاً؛ لأنه لو لم يأخذ منه كفيلاً ربما يهرب (فبقي حضر) الغائب لا يتوصل إلى حقه بالملازمة وغيرها.

وإذا كان الرجل محبوساً بدين رجلين، فأدى إلى أحدهما لم يخرج من السجن حتى يؤدي حق الآخر حتى لو تفرد بالدعوى كان له أن يحبسه؛ لأنه ظلمه بمنع حقه عنه، فكان له أن يديم الحبس لذلك.

وفي نوادر «ابن سماعة» : عن محمد رحمه الله: إذا مات الرجل وفي الورثة صغير وكبير وللميت على رجل دين، فحبسه الابن الكبير ثم أراد أن يطلقه لم يطلقه القاضي حتى يستوثق للصغار؛ لأن للصغار فيه نصيباً (١٠٧ب٤) .

والقاضي نصب ناظراً لهم، فيستوثق لهم لإحياء حقوقهم، ولا يسقط حقهم بإسقاط الكبير؛ لأنه لا ولاية للكبير عليهم، ولا يخرج المحبوس في الدين لمجيء شهر رمضان، ولا لفطر ولا لأضحى ولا لجمعة ولا لصلاة مكتوبة ولا لحجة مفروضة ولا لحضور جنازة بعض أهله، وإن أعطى كفيلاً بنفسه؛ لأن الحبس إنما شرع ليضجر، فيتسارع إلى قضاء الدين، وإنما يلحقه الضجر إذا منع عن الخروج أصلاً.

وذكر علي بن يزيد الطبري في «نوادره» ، فقال: سألت محمد بن الحسن رحمه الله عن المحبوس إذا مات له والد أو ولد، هل يخرج من حبسه؟ قال: لا إلا أن لا يجد من يكفنه ويغسله ولم يكن بحضرته أحد فليخرج حينئذٍ، وهذا صحيح؛ لأنه لزم القياس بذلك

<<  <  ج: ص:  >  >>