لحق الوالدين، وليس في هذا القدر من الإخراج شيء كثير ضرر بالطالب فيخرج، أما إذا كان ثمة من يقوم بذلك لا معنى لإخراجه من السجن، لأن من حقوق الميت تصير مقاماً بغيره وفي الخروج تفويت حق الطالب في الحبس.
قال علي بن زيد: ولا يخرج لغير الوالدين والمولودين؛ لأنه لا حق لهم عليه في ذلك، ألا ترى إذا مات للمسلم أب كافر يتولى غسله ويكفنه ويدفنه، ولا يفعل لغيرهما، فكذلك لا يخرج. وحكي عن الشيخ أبي بكر الإسكاف أنه قال في المحبوس في السجن إذا جن: لم يخرجه الحاكم من السجن، فقيل له: أليس قد رفع القلم عنه قال: النائم قد رفع عنه القلم، ومع هذا لا يخرج، قيل له: المقضي عليه بالقصاص إذا جن لا يمضي عليه القصاص، فإذا سقط عنه القصاص بحياته لم لا يسقط عنه عقوبة الحبس بعذر الجنون، قال: لأن القصاص يندرئ بالشبهات، ولعله لو كان مغيباً يدعي ما يوجب سقوط القصاص، فأوجب ذلك شبهة، فأما الحبس بالدين بخلافه؛ لأنه لا يندرئ بالشبهات.
وذكر الخصاف رحمه الله في «أدب القاضي» : أن المحبوس في السجن إذا مرض مرضاً أعياه إن كان له خادم يخدمه لا يخرج من السجن؛ لأن الحبس إنما شرع ليضجر قلبه، فيتسارع إلى قضاء الدين وبالمرض يزداد الضجر فيزداد مسارعته إلى قضاء الدين، فلا يخرج من السجن لهذا. ولا يخرج للمعالجة، فإن المعالجة في السجن وفي منزله سواء.
وهكذا روي عن محمد حتى قيل له: وإن مات فيها، قال: وإن مات فيها، فقيل له: وإن لم يكن له من يخدمه وإن أخرجوه احتسبوا عليه قال: أخرجوه إذاً، لأنه إذا لم يكن ثمة من يمرضه ربما يموت بسببه، ولا يجوز إهلاكه لمكان الدين، ألا ترى أنه إذا توجه الهلاك عليه بالمخمصة، كان له أن يدفع بمال الغير، فكيف يجوز إهلاكه لأجل مال الغير، عن أبي يوسف رحمه الله أنه لا يخرجه من السجن؛ لأن الهلاك لو كان، إنما يكون بسبب المرض، وهو في الحبس وغيره سواء، فلا معنى للإخراج.
وذكر في «الكيسانيات» قال محمد رحمه الله: والمحبوس يبول في السجن ولا يخرج إلى الحمّام؛ لأنه ليس في التبويل إبطال حق المدعي، وفيه إزالة التفت عنه فأما لا يخرج إلى الحمام كما لا يخرج لسائر الحوائج ولو احتاج إلى الجماع، لا بأس بأن يدخل زوجته وجاريته في السجن فيطأهما حيث لا يطلع عليه أحد؛ لأنه غير ممنوع عن اقتضاء شهوة البطن، فلذلك لا يمنع من اقتضاء شهوة الفرج.
وذكر ابن شجاع في «نوادره» عن الحسن بن أبي مالك عن أبي يوسف عن أبي حنيفة رضي الله عنهم، قال: يمنع المحبوس عن وطء الحرائر والإماء؛ لأنه ليس من أصول الحوائج، ألا ترى أن بدون ذلك يعيش ويبقى، فيمنع ليضجر قلبه، فيتسارع إلى قضاء الدين، بخلاف الأكل والشرب؛ لأنه لا حياة بدونهما، فلو منع منهما كان سعياً إلى إهلاكه وإنه لا يجوز.