للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لأنه شهادة على تحريم الفرج، وإنه حق الله تعالى، والشهادة في حقوق الله تعالى تقبل حسبة من غير دعوى.

ولو أن أمة لرجل شهد ابناها وهما حران مسلمان أن مولاها أعتقها على ألف درهم، فإن ادعى المولى ذلك، فالعتق واقع بإقراره، فتمحض هذا شهادة على أمهما بالمال فقبلت، وإن أنكر المولى، فإِن ادعت لا تقبل شهادتهما وإِن أنكرت تقبل شهادتهما؛ لأن العتق على مال دار بين الضرر والنفع في زوال الملك والرق عنها والضرر في لزوم المال عليها، فيعتبر جانب النفع عند الدعوى، فتكون الشهادة لها، ويعتبر جانب الضرر عند الإنكار، فتكون شهادة عليها فتقبل، أكثر ما فيه أن هذه الشهادة خلت عن الدعوى، إلا أن الشهادة على عتق الأمة تقبل من غير الدعوى، ومتى ثبت العتق وجب المال؛ لأنه بيع المعتق.

وإِن شهد ابنا المولى بذلك، فإن ادعى المولى لا تقبل؛ لأن العتق يقع بإقراره والشهادة بالمال شهادة لأبيهما، وإن أنكر المولى قبلت شهادتهما؛ لأن العتق دائر بين الضرر والنفع في حق المولى، فيترجح جانب الضرر بالإنكار في حقه، فكان شهادة على الأب.

ولو كان مكان الجارية غلاماً، وقد شهد ابنا المولى بذلك، وأنكر المولى والغلام ذلك لا تقبل شهادتهما عند أبي حنيفة رحمه الله؛ لأن هذه شهادة على عتق، وعنده الدعوى من العبد على شرط قبول الشهادة، وعندهما تقبل الشهادة؛ لأن دعوى العبد عندهما ليس بشرط.

ولو شهد رجلان أن أباهما باع هذه الجارية من هذا الرجل، أو قال هذا العبد، فأعتقه المشتري هذا، فإن ادعى الأب ذلك لا تقبل شهادتهما؛ لأن البيع دائر بين الضرر والنفع في حق المولى، لما فيه من زوال ملكه إلى خلف، فيعتبر النفع عند الدعوى، فكانت هذه شهادة لأبيهما، ولكن يعتق العبد؛ لأن البائع مالكه ظاهراً وقد أضاف المعتق بإقراره إلى من زعمه مالكاً، فنفذ إقراره عليه، والولاء موقوف؛ لأنه تعذر إثباته من جهة المشتري لإنكاره ومن البائع؛ لأنه أقر بالعتق على غيره، ويعتبر قبول الشهادة على الولاء على المشتري؛ لأنه لا بد لذلك من إثبات الشراء منه، وفي ذلك نفع للبائع، فلا تقبل شهادة ابنيه في ذلك.

وإِن أنكر الأب وادعت الجارية وأنكر المشتري أيضاً أو هو غائب، فشهادتهما جائزة؛ لأن عند الإنكار يترجح جانب الضرر، فكانت شهادة على أبيهما فقبلت، ولا يقال بأنه قضاء على الغائب بالشراء أو للغائب، أو قضاء بالشراء عند حضرة المشتري من غير دعوى، والبينة في الشراء لا تقبل من غير دعوى الخصم؛ لأنه من حقوق العباد؛ لأنا نقول هذه البينة قامت بعد دعوى صحيحة من خصم، وهي الجارية؛ لأنها ادعت العين من جهة المشتري، ولا يتوصل إلى إثبات العتق لنفسه، فكأن هذه البينة قائمة من خصم على خصم فقبلت وقضي بالشراء؛ لأنه يثبت بيعاً للعتق، ووجب للبائع الثمن على المشتري ضرورة إثبات الشراء.

<<  <  ج: ص:  >  >>