للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفي كتاب «الأقضية» : ذكر ابن سماعة عن محمد رحمه الله في رجل ضمن لرجل ما باع فلاناً من شيء، فقال الطالب: قد بايعت فلاناً بيعاً بألف درهم، فجحد الضامن ذلك، فشهد عليه ابناه أنه قد بايعه بيعاً بألف درهم، فإن شهادتهما جائزة؛ لأن هذه شهادة على أبيهما فقبلت، وكذلك إذا جحد الضامن، فشهد ابناه أن فلاناً أمرك أن تضمن عنه وأنك ضمنت عنه لفلان ما باعه من شيء، وقد باعه بيعاً بألف درهم، قال: شهادتهما جائزة، ويؤخذ بالألف ويرجع بها على الذي أمره أن يضمن عليه، فقد جوزت شهادتهما على الضمان وعلى الأمر، حتى قال: يؤخذ بالألف ويرجع بها على الذي أمره أن يضمن عنه.

أما قبول الشهادة على الضمان فظاهر، وأما قبول الشهادة على الأمر ورجوع الأب على الأمر بالضمان مشكل، أما الشهادة على الأمر فوجهين: أحدهما: أن الشهادة في حقوق العبد لا تقبل إلا بعد سابقة الدعوى ولم يوجد؛ لأن الضامن يجحد الأمر والضمان جميعاً، ولا حق للطالب في الأمر ليدعيه، فكيف تقبل هذه الشهادة. والثاني: أن الشهادة على الأمر شهادة لأبيهما؛ لأن فيه منفعة خالصة من غير شوب مضرة، فإنه يرجع بما يؤدي على الأمر والشهادة لأبيهما لا يجوز أن تقبل.

وأما رجوع الأب على الذي عليه الأصل مشكل؛ لأن في زعمه أنه لا رجوع له على الذي عليه الأصل الجواب عنه: أما الأول فنقول هذه شهادة بعدَ دعوى صحيحة من الطالب، فإنه يدعي الضمان بأمر، وهو أحد نوعي الضمان، وقد أثبت ذلك بهذه البينة.

قوله: لا حق للطالب في الأمر، فكيف يعتبر دعواه، قلنا: ليس كذلك، بل للطالب فيه حق، فإنه لو ثبت الأمر بتساهل الكفيل في الأداء لأنه إنما يؤدي بعوض، وإذا لم يثبت الأمر يؤدي بغير عوض، فيتعاسر في المدا فثبت أن له حقاً في الكفالة والأمر جميعاً، فصحت دعواه وقبلت هذه البينة لما قلنا إنهما شهادة على أبيهما.

قوله: بأن الشهادة بالأمر شهادة لأبيهما، فإنه يرجع بما يؤدي على الأمر، قلنا: فيه روايتان، في رواية: لا يرجع به عند الأداء، ووجهه ما ذكرنا في الإشكال، وعلى هذه الرواية يرجع به، ووجه قبول هذه الشهادة أن هذه شهادة على الأب؛ لأن الكفالة بأمر دائر بين الضرر والنفع من حيث إنه يجب عليه الأداء من ماله فيه ضرر، ومن حيث إنه يستوجب الرجوع به على الأصيل فيه نفع، ولكن قد ذكرنا أن المنفعة المجحودة لا عبرة لها، وهي مجحودة ههنا، فلهذا اعتبرناها شهادة على أبيهما. وقوله: بأن من زعمه أنه ليس له حق الرجوع على الأصيل، فكيف يرجع إليه، قلنا: صار مكذباً في زعمه، حيث قضى القاضي بخلافه عليه، فلا يعتبر زعمه أصلاً.

قال في كتاب «الحوالة» : رجل كفل عن رجل بمال بأمره، فشهد على ذلك ابنا المطلوب الذي عليه الأصل، فهو جائز ويؤاخذ الكفيل بالمال، وإذا أدى يرجع على الذي عليه الأصل، أما جواز شهادتهما في حق الكفيل، فلأنهما أجنبيان عنه غير متهمين في حقه، فقبلت شهادتهما، وأما في حق الأصيل بالرجوع عليه؛ لأنها شهادة على أبيهما، فقبلت.

<<  <  ج: ص:  >  >>