ولو كان الشهود أبناء الكفيل، فإِن ادعى الكفيل ذلك فقد ثبتت الكفالة بإقراره، فوقع الاستغناء عن الشهادة، وإنما يحتاج إلى الشهادة لإثبات الأمر، وإنه شهادة لأبيهما من حيث إنه يثبت له حق الرجوع على الذي عليه الأصل، فلم تقبل. وإن جحد الكفالة قبلت شهادتهما، لأنها شهادة على أبيهما، فإِن أدى رجع على الأصيل؛ لأن الثابت بشهادتهما أحد نوعي الكفالة، وهو الكفالة بأمر، وقد ثبتت شهادتهما؛ لأنها عليه؛ لأن هذه الكفالة وإن ترددت بين الضرر والنفع في حقه باعتبار حق الرجوع عند الأداء، ولكنها لما كانت مجحودة لم يعتبر النفع، فبقي شهادة على أبيهما فقبلت لهذا. وإذا ثبتت الكفالة والأمر استحق الرجوع لما ذكرنا من الأمثلة.
قال ابن سماعة عن محمد رحمه الله في رجل ادعى أن له على رجل ألف درهم، وضمنها عنه ثلاثة نفر، قال ابن سماعة: وكل واحد منهم كفيل ضامن عن صاحبه بأمره، فأخذ الطالب أحد الضمناء الثلاثة، فشهد عليه ابنا الضامنين الأخيرين أن لهذا الطالب على فلان ألف درهم، وأن أبوينا وهذا ضمنوا عنه لهذا بأمره، وكل واحد منهم ضامن عن صاحبه بأمره، وأبواهما غائبين، فإني أقضي الساعة على هذا الضامن الحاضر بألف درهم، وإذا (١٢٥أ٤) أدى رجع بها على الذي عليه الأصل؛ لأنه لا تهمة في شهادتهما لا على الحاضر ولا على الأصيل؛ لأنهما أجنبيان عنه لا ينتفعان بشهادتهما بوجه ما، فلا يكونان متهمين فيها، فقبلت شهادتهما ثبت المشهود به، والمشهود به الكفالة بأمره، وإنه يقتضي الرجوع عند الأداء، فإذا أدى رجع بها على الأصيل، وأما شهادتهما على أبويهما بالضمان، فحكمها موقوف؛ لأن الكفالة بأمرهِ مترددة بين النفع والضرر، وإنما يترجح أحدهما على الآخر بالدعوى أو الإنكار، فيوقف إلى حضورهما حتى يُنظر أيقران بذلك أم ينكران؟ فإذا حضرا فإن جحدا ذلك قبلت شهادتهما؛ لأنه يرجح جانب الضرر، فكانت شهادة عليهما وإن ادعيا لم تقبل؛ لأنه ترجح جانب النفع في شهادتهما، فكانت شهادة لأبيهما فلا تقبل، ولكن بقيت الشهادة على الضامن الثالث مقبولة لخلوها عن التهمة، فإن أداها الثالث وأراد أن يرجع على أبوي الشاهدين بحصتهما كان له ذلك؛ لأنهما قد أقرا بالضمان والأمر، وإقرارهما حجة عليهما، فإن رجع عليهما لم يرجعا على الأصيل بشيء إذا جحد الأصيل أن يكونا ضمنا عنه بأمره؛ لأن إقرارهما بالضمان صح؛ لأنه إقرار على أنفسهما، فأما بالأمر فلأنه إقرار على الأصيل، ولا يجوز أن يكون الإقرار حجة على غير المقر، وكذلك إذا ضمنهما الطالب لم يرجعا على الأصيل، ولا على الضامن الثالث إذا جحد الأمر؛ لأن ضمانهما إنما ثبت بالإقرار، وإنه حجة قاصرة، فلا يعدوهما، فلا يثبت الأمر به، والرجوع من حكم
الأمر بالضمان.
قال ابن سماعة عن محمد رحمهما الله في رجل اشترى من رجل عبداً فأعتقه، فاشترى ذلك العبد عبداً فأعتقه، فاشترى ذلك العبد عبداً فأعتقه فمات المولى الأسفل، والأوسط والأعلى حيان، فأقام رجل البينة أن الميت عبده، وأراد أخذ تركته، فشهد ابنا المولى الأعلى أن الأوسط اشتراه من فلان وهو يملكه، فأعتقه جازت شهادتهما؛ لأن