للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هذه الشهادة إنما قامت من حيث الحقيقة لإثبات الولاء لمولى أبيهما دون أبيهما فقبلت، أقصى ما في الباب أنه يثبت نسبة الولاء إلى أبيهما إذا ثبت الولاء لمولى أبيهما، ولكن المعتبر في رد الشهادة وقبولها النظر إلى ما وقعت عليه الشهادة دون غيرهما، وباعتباره ما قامت هذه الشهادة لأبيهما فقبلت.

ألا ترى أنه إذا شهدا لأخيه بمال تقبل شهادته، والمشهود به إذا ثبت للأخ ثبت للأب فيه حق بملك، وشهادته لأبيه غير مقبولة، لكن لما كان نفس المشهود به حق الأخ دون الأب تقبل شهادته، وإن كان يفضي إلى إثبات الحق للأب، كذا هذا.

وإن كان المولى الأوسط مات أيضاً ولم يترك وارثاً إلا المولى الأعلى؛ لأن بموت الأوسط أنجز الولاء إلى الأعلى فقد شهدا لأبيهما بالميراث فلا تقبل، ولا تعتبر الدعوى والإنكار من المولى الأعلى؛ لأن هذه شهادة بما ينفعه من كل وجه، وإنما يعتبر الإنكار والدعوى فيما يدور بين الضرر والنفع.

ولو مات المولى الأوسط ثم مات المولى الأسفل، ولم يترك وارثاً إلا ابنتاً له والمولى الأعلى، فادعى رجل أن المولى الأسفل كان عبداً له، وأقام البينة وادعت الابنة أنه كان حراً، وأن المولى الأوسط اعتقه وهو يملكه، والمولى الأعلى ينكر ذلك، فشهد ابنا المولى الأعلى أن الأوسط اشتراه من فلان وهو يملكه ثم أعتقه، فإني أجيز شهادتهما وأجعله حراً من المولى الأوسط، ويكون الميراث بين ابنته والمولى الأعلى نصفان، وإنما شرط إنكار الأب لجواز شهادتهما؛ لأن عند إنكاره تمحض هذه الشهادة للأبنة فوجب قبولها. وإذا قضى بها ثبت الولاء للمولى الأعلى بواسطة الأوسط، فكان الميراث للابنة ونصفه للمولى الأعلى بالعصوبة من جهة الولاء.

واستشهد لهذا برجل شهد عليه ابناه أن هذا ابنه وهو ينكر ذلك، إني أجيز شهادتهما لأن شهادتهما؛ قامت على الأب، وإذا جازت شهادتهما ثبت نسبه منه، فإن مات هذا الابن ورثه منه وإن أنكر ثبوته؛ لأنه صار مكذباً بقضاء القاضي، فلا يبقى لزعمه عبرة.

وإذا اشترى الرجل عبداً وقبضه ودفع الثمن، فادعى العبد أن البائع كان اعتقه قبل أن يبيعه منه، وشهد له بذلك ابنا البائع، فإني لا أعجل بعتق العبد حتى يقدم البائع وأسأله؛ لأن فيه منفعة للبائع، من حيث ثبوت الولاء له، ومضرة له، فإنه يسترد الثمن من يده لبطلان البيع، وقد ذكرنا أن شهادة الابن فيما يتردد بين الضرر والنفع يتوقف على إنكار الأب. وإِذا حضر وأنكر العتق قبلت شهادتهما وبطل البيع؛ لأنه ظهر أنه باع الحر، ووجب على البائع رد الثمن؛ لأنه قبضه على جهة الوجوب بحكم البيع، وقد ظهر أنه لم يكن فيرده عليه، وليس لأحد أن يقول: ينبغي أن يقضي القاضي بعتق العبد للحال؛ لأن الحال لا يخلو إما أن يكون البائع مقراً بالعتق أو كان جاحداً له، إن كان جاحداً له كانت البينة مقبولة عليه، فيقضي القاضي عليه بالعتق بالبينة، وإن كان مقراً فالقاضي يقضي عليه بإقراره، فجواز القضاء بالعتق عليه متيقن؛ لأنا نقول: حكم الإقرار يخالف حكم البينة، فيتوقف القاضي في القضاء بالعتق إلى حضرة البائع ليعلم أنه يقضي بالإقرار أو بالبينة.

<<  <  ج: ص:  >  >>