للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إقرار صاحب المال بالاستيفاء، فإن القاضي يسأل الغريم عن البراءة والتحليل، أكانت بالإسقاط أو بالاستيفاء، فإن قال: كانت بالاستيفاء قبلت الشهادة لوجود الموافقة بين الدعوى والشهادة، وإن قال: كان بالإسقاط لا تقبل لتحقق المخالفة.

وإن سكت ذكر محمد رحمه الله في «الأصل» : أنه لا يجبر على البيان؛ لأن الإنسان لا يجبر على تحصيل حق نفسه، ولكن لا تقبل شهادته ما لم يوفق، فقد رجع في هذه المسألة في البيان إلى المدعي وفيما إذا ادعى الغريم الإيفاء وشهد له شاهدان أنه أبرأه أو حلله ذكر أنه تقبل شهادتهما ولم يقل: رجع في البيان الى الشاهدين إن البراءة كانت بالإيفاء أو بالاستيفاء.

والفرق: أن الشهادة إنما شرعت لتحقيق دعوى المدعي، فإذا وقع الدعوى في شيء معين، فشهدت الشهود بشهادة محتملة حملت الشهادة على وجه الموافقة، إذ الظاهر أن الشهود بشهادتهم المحتملة يريدون الجهة التي تكون الشهادة بها مؤكدة للدعوى دون الجهة الأخرى فبقيت جهة الموافقة بدلالة الحال، فلا حاجة إلى الرجوع في البيان إلى الشاهد، فأما الدعوى إذا كانت محتملة، فالشهود لا يقدرون على إزالة ذلك الاحتمال، فيكون البيان إلى المدعي، فإن بيّن قبل قوله وما لا فلا، وههنا كلمات تأتي بعد إن شاء الله تعالى.

قال محمد رحمه الله في «الجامع الصغير» : شاهدان شهدا على رجل لرجل بقرض ألف (١٤٥ب٤) درهم، فشهد أحدهما أنه قضاها، وقال المدعي: لم يقضها فالشهادة على القرض جائزة ويقضي القاضي بالقرض على المدعى عليه. وروى الطحاوي عن أصحابنا رحمهم الله: أنه لا يقضي القاضي بالقرض، لأن الذي شهد بالقضاء لم يشهد بمال واجب.

وجه ما ذكر في «الجامع الصغير» : أن القضاء لا يتصور إلا بعد سابقة، فهما اتفقا على القرض والوجوب فثبت القرض والوجوب، ثم تفرد أحدهما بالقضاء ولم يثبت.

وفي «الأصل» : إذا شهد شاهدان لرجل على رجل بألف درهم، فشهد أحدهما أنه قضى خمسمئة درهم منها وأنكر الطالب القبض، فإن شهادتهما بالألف جائزة، لاتفاقهما على ذلك، وشهادة الواحد بالقبض لا تقبل لتفرده بذلك، فإن قيل: أليس أن المدعي لما أنكر القضاء فقد أكذب أحد الشاهدين فوجب أن لا يقضى له بالألف كما لو شهد له أحد الشاهدين بمئة، والآخر بمئة وخمسين والمدعي يدعي المئة لم يقض له بشيء؛ لأنه كذب أحد شاهديه فكذا ههنا؟ قلنا: تكذيب المدعي شهوده إنما وجد فيما كان مشهوداً عليه؛ لأنه كذب أحدهما في القبض، وإنه في القبض مشهود عليه، وتكذيب المشهود عليه الشاهد لا يمنع قبول الشهادة، لأنه لو منع ما قبلت شهادة في الدنيا؛ لأن كل مشهود عليه يكذب شهوده، فإن قيل: تكذيب المشهود عليه إنما لا يمنع قبول الشهادة إذا شهد عليه ولم يشهد له، والشاهد يقبض بخمسمئة كما شهد عليه يشهد له، فإذا كذبه وفسقه فيما شهد عليه يجب أن لا تقبل شهادته فيما شهد له؛ لأنه فاسق عنده إلا أن يكذبه ويفسقه

<<  <  ج: ص:  >  >>