فيما شهد عليه لم يعمل فوجب أن يعمل فيما شهد له والجواب: أن التكذيب فيما شهد له لو ثبت إنما يثبت مقتضى التكذيب فيما شهد عليه، وقد كذب شرعاً في حق التكذيب على ما عليه، على معنى أنه لم يعتبر تكذيبه فيما شهد عليه والمتكلم متى كذب في كلامه سقط اعتبار كلامه والتحق كلامه بالعدم، وإذا سقط اعتبار هذا التكذيب في حق ما عليه فكذا فيما له، أو تقول بعبارة أخرى: لم يعتبر تكذيبه فيما شهد عليه شرعاً؛ لأن تكذيب المشهود عليه الشاهد غير معتبر شرعاً، فلا يعتبر تكذيبه فيما ثبت مقتضاه وهو التكذيب فيما شهد له.b
ولهذا قلنا: لو شهد شاهدان على رجل لرجل بألف درهم وشهدا للمشهود عليه بمئة دينار قبلت شهادتهما، وإن كذبهما وفسقهما؛ لأنه صار مكذباً في هذا التكذيب شرعاً لما قضي عليه بالدراهم، كذا ههنا بخلاف ما أقررتم من المسألة؛ لأن بدعوى المئة صار مكذباً أحد شاهديه، ولم يكذب في هذا التكذيب شرعاً فلم يسقط اعتبار تكذيبه أما ههنا فبخلافه.
وفي آخر شهادات «المنتقى» : شهدا أن لهذا على هذا ألف درهم وقد أقضى منها مئة والطالب يقول: لم أقبض منها شيئاً، قال أبو حنيفة وأبو يوسف رحمهما الله: يقضي بالألف ويجعل مقضياً للمئة.
وفي «العيون» : إذا شهدا لرجلان على آخر بألف درهم وشهدا أنه قد قضاه خمسمئة وقال للطالب: لي عليه ألف وما قضاني شيئاً وشهودي صدقوا في الشهادة على الألف، وأوهموا في الشهادة على القضاء تقبل شهادتهما إن عدلاً ولو قال: شهادتهم بالألف حق وبالقضاء باطل وزور لا تقبل شهادتهما؛ لأنه نسبهما إلى الفسق.
ولو شهدا على رجل بألف درهم، والمدعي يدعي ذلك وشهدا أيضاً للمدعى عليه على المدعي بمئة دينار والمدعي ينكر ذلك، قبلت شهادتهما وهي المسألة التي مرت على سبيل الاستشهاد، ثم يكذب المشهود له الشهود وتفسيقه إياهم قبل القضاء يمنع القضاء، وتكذيبه وتفسيقه بعد القضاء يوجب بطلان القضاء على ما عليه إشارات «الأصل» و «الجامع» وحكي عن القاضي أبي علي النسفي رحمه الله أنه لا يوجب بطلان القضاء، قال: لأن الفاسق ربما يكون صادقاً ولهذا يصلح شاهداً عندنا، فعلى اعتبار أنه كان صادقاً لا يجوز إبطال القضاء على اعتبار أنه كان كاذباً يجوز، فلا يجوز إبطال القضاء بالشك، فظن بعض مشايخنا أن ما ذكر القاضي الإمام مخالف لإشارات «الجامع» وليس كذلك؛ لأن المراد من إشارات «الجامع» بفسق تبني عن تكذيب المشهود له وإنه يوجب بطلان القضاء، كما يمنع جوازه، وما قاله القاضي الإمام محمول على نفس التفسيق، بأن يقول المشهود له: إنهم أكلوا ربا أو شربوا الخمر، لا تفسيق ينبني عن التكذيب، ونفس التفسيق يمنع القضاء، أما لا يبطل القضاء والله أعلم.
نوع آخر: وإذا ادعى رجل جارية في يدي رجل وقال: هذه الجارية كانت لي وشهد الشهود أنها له هل تقبل هذه الشهادة؟ لا ذكر لهذه المسألة في الكتب، وقد اختلف