المشايخ فيه بعضهم قالوا: تقبل؛ لأن هذا الاختلاف لو وقع بين المدعي وبين الشاهدين على العكس، بأن ادعى المدعي أنها له وشهد الشهود أنها كانت له تقبل الشهادة فكذا ههنا، وكذلك لو وقع هذا الاختلاف بين الشاهدين، بأن ادعى أنها له وشهد أحد الشاهدين أنها له، وشهد الآخر أنها كانت له لم يمنع قبول الشهادة، فكذا إذا وقع بين المدعي والشاهدين. ومنهم من قال: لا تقبل وهو الأصح؛ لأن دعوة المدعي إنما كانت له إقرار منه دلالة أنه لا ملك له في الحال إذ لا فائدة للمدعي في الإسناد مع قيام الملك له في الحال سوى نفي الملك في الحال، وهذا لأنه كما لا يعلم ثبوت ملكه يقيناً يعلم بقاء ملكه يقيناً، فيكون دعواه الملك فيما مضى نفياً للملك في الحال حتى يكون الإسناد مفيداً، بخلاف الشاهد؛ لأن إسناده لا يدل على النفي للحال، لأن له فائدة سوى النفي في الحال، وهو أن يشهد بما عاين من سبب الملك بيقين، ولا يشهد ببقاء الملك في الحال؛ لأن بقاء الملك في حقه للحال ثابت باستصحاب الحال، والشاهد قد يحترز عن الشهادة بما ثبت عنده من استصحاب الحال، وعلى قياس ما قالوا يجب أن لا تقبل الشهادة، وإن شهدا أنها كانت للمدعي؛ لأن إسناد المدعي دليل على نفي الملك في الحال، فلو نفى المدعي الملك للحال، وشهد شاهدان أنها كانت له لا تقبل الشهادة كذا ههنا.
وإذا شهد الشهود أن هذا العين كانت ملك المدعي والمدعي يدعي الملك في الحال تقبل شهادتهم؛ لأن شهادتهم تثبت الملك في زمان الماضي، وما عرف ثبوته في زمان يحكم ببقائه ما لم يوجد المزيل، ولا يقال بأن شهادة الشهود بالملك في الماضي دليل على نفي الملك في الحال لأنا نقول: هذا ممنوع.
وبيانه ما ذكرنا: أن للشاهد في الإسناد فائدة أخرى سوى نفي الملك في الحال، ذكر المسألة في «الأقضية» .
في «أدب القاضي» للخصاف في باب دعوة الرجلين، وعلى هذا إذا ادعى المدعي عيناً ملكاً مطلقاً فشهد الشهود له بسبب الملك، بأن شهدوا أن المدعي ورثها من أبيه، ولم يتعرضوا للحال بأن لم يقولوا: هو ملكه للحال، تقبل الشهادة ويقضى بالعين للمدعي.
وكذلك إذا ادعى رجل نكاح امرأة بأن قال: هذه امرأتي أو قال: هذه منكوحتي والشهود شهدوا أنه كان زوجها، ولم يتعرضوا للحال بأن لم يقولوا: إنها منكوحته في الحال فالقاضي يقبل الشهادة، ولكن ينبغي للقاضي أن يسأل الشهود في مسألة الإرث، والشراء هل يعلمون أنها أخرجت عن ملكه؟
ومما يتصل بهذا النوع: إذا ادعى رجل داراً في يد رجل وجاء بشاهدين شهدا أن هذه الدار كانت في يد هذا المدعي لا تقبل هذه الشهادة، ولا يقضى للمدعي بشيء في ظاهر الرواية، وروى أصحاب «الأمالي» عن أبي يوسف رحمه الله: أن الثابت بالبينة العادلة كالثابت معاينة، ولو عاين القاضي هذه الدار في يد المدعي، ثم رآه بعد ذلك في