وإن قال: ما كان لك عليّ شيء قط، ولم أعرفك، ولم أكلمك، ولم أخالطك ثم أقام البينة على القضاء لا تقبل بينته، هكذا ذكر المسألة ههنا، لأن التوفيق غير ممكن ههنا إذ لا يتصور أن يكون بين شخصين خصومة وقضاء، ولا يعرف أحدهما صاحبه. وذكر «القدوري» عن أصحابنا أنه تقبل البينة، لأن الرجل عسى يدعي على امرأة أو رجل وهو محتجب في داره، ويؤذيه بالسب على باب داره، فيأمر بعض وكلائه أن يدفع إليه ما ادعى فيدفعه إليه الوكيل فيكون قد قضاه وهو لا يعرفه ثم يعرف بعد ذلك، هذا (إذا) أقام البينة على الدفع والقضاء، فأما إذا أقام البينة على الإبراء، لم يذكر محمد رحمه الله هذا الفصل هنا، قال بعض مشايخنا في شرح هذا الكتاب: ولا شك أن تقبل بينته (١٥٤ب٤) في الفصل الأول والثاني، لأن وجه التوفيق فيهما ظاهر، وكذلك في الفصل الثالث، قال: ويجب أن يكون قبول البينة في الفصل الثالث على اتفاق الروايات، لأن التوفيق ههنا ممكن، لأن الإبراء يتحقق من غير أن يعرف المدعى عليه صاحب الدين بأن كان لرجل على آخر دين، مات صاحب الدين وورث الدين ابنه ولم يعلم به المديون، ثم إن الابن أبرأه عن دينه أو أبرأ أهل بلد كذا عن دعاويه وديونه، والمدعى عليه من أهل ذلك البلد، فيكون داخلاً تحت الإبراء، وإن لم يعرفه ثم بعدما ادعى عليه وأنكر المدعى عليه المال، أخبر المدعى عليه شاهدان بما جرى من الأمر فعرف المدعي صاحب دينه، وأبرأه به إباه عن الدين، فأقام الشاهدان اللذان أخبراه بذلك فأما قضاء الدين ودفع المال إلى إنسان وهو لا يعرفه أصلاً لا يكون فيصير متناقضاً في دعوى الدفع.
وعن أبي يوسف أنه إن قال: لم يجر بيني وبينه معاملة ولكن أخبرني شهودي هؤلاء أنه ادعى علي حقاً، ثم أشهدهم أنه قد أبرأني منه ولم يجر بينه وبيني معاملة، قُبَل ذلك منه.
وذكر محمد رحمه الله في كفالة «الأصل» : إذا قال المدعى عليه: لم يكن لك عليَّ شيء قط، أو قال: لم يكن لك علي دين قط، ثم أقام البينة على القضاء أو الإبراء سمعت بينته. قال الشيخ الإمام الأجل شيخ الإسلام خواهر زاده رحمه الله في شرح كتاب الكفالة: إن وفق فقال: دفعت المال إليه افتداء عن اليمين قطعاً لدعواه لا قضاء عن الدين، قبلت بينته، لأنه زالت المناقضة ويكون هذا في الحاصل دعوى الصلح على الإنكار، وإن قال: دفعته قضاء عن الدين لا تقبل بينته لتحقق المناقضة، وإن لم يبين شيئاً بل ادعى القضاء مطلقاً فالقياس أن تقبل بينته، وفي الاستحسان: لا تقبل كما في الشهادة على الألف والخمسمئة، قال: وكذلك في فصل الإبراء إن وفق وقال: لم يكن له علي دين، كما قلت إلا أنه أبرأني عن دعوى الدين، لا عن الدين تزول المناقضة، وتقبل بينته على الإبراء، وإن قال: أبرأني عن دعوى الدين لا تقبل بينته لمكان المناقضة، فإنه أقر أنه لم يكن عليه، ثم أقر أنه كان عليه دين لما ادعى الإبراء عن الدين، والمناقضة تمنع صحة الدعوى ولا تقبل البينة بدون الدعوى، وإن ذكر الإبراء مطلقاً ولم يبين أنه أبراه عن الدين أو عن دعوى الدين، فالقياس أن تقبل بينته.h