للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفي «فتاوى أبي الليث» : رجل له تسعة أولاد أقر في صحته وجواز إقراره أن لخمسة من أولاده فلان وفلان وفلان سماهم في الصك عليه ألف درهم، ثم مات، وأنكر سائر الورثة ذلك، فشهد الشهود بذلك عند الحاكم، وقالوا: لا نعرف الأولاد المقر لهم، لأنهم لم يكونوا حضوراً وقت الإقرار، فإن أقر سائر الورثة بأسامي هؤلاء ثبت المال بشهادة الشهود، ولو جحدوا كلّف المدعون إقامة البينة على أنهم مسمّون بالأسامي التي ذكرها الشهود، فإن أقاموها يقضي لهم بذلك إذا لم يكن في سائر الأولاد مثلهم في الأسامي.

قال محمد رحمه الله في «الجامع الكبير» : رجل في يديه دار، أقام رجل بينة أنها دار فلان ابن فلان الفلاني أودعنيها فالقاضي يدفع الدار إلى المدعي، لأن المودع ينتصب خصماً في الوديعة في إثبات الملك للمودع، لأنه مأمور بالحفظ ولا يتمكن من الحفظ إلا باسترداده من الغاصب، ولا يتمكن من ذلك إلا بإثبات الملك لمودعه، فكان خصماً في إثبات الملك للمودع فقبلت بينته، كما لو أقامهما المودع بنفسه فإن لم يشهد شهود المدعي على هذا الوجه، ولكن شهدت شهوده أن فلاناً أودعها من المدعي، ولم يشهدوا أنها كانت لفلان، لا تقبل هذه الشهادة، لأن المدعي بهذه البينة لم يثبت الملك في الدار لصاحب الوديعة، وإنما أثبت أنه أودعها منه، والإيداع كما يكون من المالك يكون من غير المالك، فلم تكن هذه شهادة بالملك، وإنما هذه شهادة أنها كانت في يد المودع، وقد عرف القاضي زوال ذلك اليد، فلا يجوز إثباتهما بالبينة، وكذلك لو شهدوا أنها كانت في يد المستودع أمس لم يقض القاضي بشيء؛ لأن المودع لو كان يدعي الملك لنفسه لم يستحق بهذه الشهادة شيئاً، فكذلك إذا كان يدعيه لغيره، ولو ادعى المدعي رقبتها فشهدت شهوده أن فلاناً وهبها له، وقبضها منه أو اشتراها منه وقبضها ولم يشهدوا بالملك للبائع ولا للواهب، قبلت الشهادة، وعن أبي يوسف رحمه الله أنه لا تقبل، وإلى هذا أشار في «الكتاب» ، فإنه نسب الجواب فيه إلى أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله، فأبو يوسف قاس هذا على الإيداع.

والفرق لهما: وهو أن الشهود هنا شهدوا باليد عند مباشرة سبب الملك، وهو البيع والهبة والشهادة على اليد عند مباشرة سبب الملك، كالشهادة على الملك حكماً، لأن الأملاك لا تعرف إلا بها، ولهذا إذا رأى عيناً في يد إنسان يتصرف فيها تصرف الملاك حل له أن يشهد بالملك له، فكانت هذه شهادة للمدعي، فقبلت بخلاف فصل الإيداع، لأن هناك الشهود ما شهدوا باليد عند مباشرة السبب؛ لأن الإيداع ليس من أسباب الملك بل هو نقل من يد إلى يد فلم تكن الشهادة على اليد عند الإيداع شهادة على الملك بخلاف البيع والهبة على ما مر.

بشر عن أبي يوسف رحمه الله: شاهدان شهدا على رجل أنه طلق امرأته ثلاثاً، فأنفذ القاضي شهادتهما، ثم ادعى أحد الشاهدين أنها امرأته تزوجها قبل الذي طلقها، وأتى على ذلك ببينة والمرأة تجحد فإنه لا يقبل ذلك منه، وكذلك لو لم يكونا شهدا أنها

<<  <  ج: ص:  >  >>