شهادتهما حيث لم يمكنهما الشهادة على فعل معين معلوم، فلا تقبل شهادتهما.
ولو قالا: نشهد أنهما قطعا يده، قطع هذا يمينه والآخر يساره أو جرح هذا هذه، وهذا هذه ولا ندري بأي شيء جرحاه، فالقياس أن لا تجوز شهادتهما لما ذكرنا أنهما ضيعا شهادتهما بإقرارهما أنهما جهلا آلة القطع وآلة الجرح فبطلت شهادتهما، ولكنّا استحسنّا وجوزنا هذه الشهادة، لأنهما اتفقا على أصل الفعل وإن اختلفا في وصفه فقبلت شهادتهما فيما اتفقا عليه، ولأنهما إنما لم يذكرا آلة القتل والجرح على القاتل احتيالاً لدرء القصاص وابتداء بما ندما إليه في الشرع مع علمهما، فلا يقدح ذلك في الشهادة بخلاف المسألة المتقدمة، لأن ثمة قد ذكرا آلة الجرح والقتل، ولكنهما جهلا صاحب الآلة فلا يمكن حمله على السر، وإنما هذه شهادة على مجهول، لأنهما لم يشهدا بالقتل بالسيف ولا بالقضاء على أحدهما بعينه، فلا تقبل شهادتهما، ثم في هذه المسألة الأخيرة إذا قبلت الشهادة وجب المال، لأنه تعذر إيجاب القصاص، لأنه يعتمد القتل عمداً بحديدة ولم يثبت، فوجبت الدية، وإنما تجب في ماله ولا تجب على العاقلة، (١٥٦أ٤) لمكان الشك فإنه كان خطأً تجب على العاقلة، وإن كان عمداً لا تجب على العاقلة، ويحتمل كلا الأمرين، فلا تجب على العاقلة بالشك، وإن قالا: قتله خطأً، الآن تجب الدية على العاقلة لاتفاقهما على وجوب الدية على العاقلة.
والقتل إذا كان خطأً بأي آلة كان، فإن موجبه على العاقلة، قال: وكل شيء من هذه الشهادة كنت أقضي بها لو برأ الرجل من الجراحة، وأجعل في ذلك دية، أو قصاصاً، فإني أقضي به إذا مات وأجعل (على) عاقلته الدية، وكل شيء كنت أبطله لو عاش الرجل وبرئ من الجراحة فإني أبطله إذا مات من ذلك، لأنه إنما يقضي بالدية والقصاص في حالة الحياة عند تمام الحجة على الجرح واستجماع شرائط قبول الشهادة، فإذا مات منهما أحد بموجب السراية وإذا لم يقض في حياته بشيء فإنما لم يقض لانعدام الحجة على فعله، أو لفقدان شرائط جواز الشهادة، فإذا مات منهما لا يمكن القضاء بموجب السراية أيضاً، ثم فسر ذلك فقال: ألا ترى أنهما لو قالا: نشهد أن كل واحد قطع إحدى يديه أحدهما بسيف والآخر بعصا لا ندري أيهما صاحب السيف، وقد برأ الرجل من الجراحتين إن هذا باطل لأنهما إذا أقرا أنهما حملا ذلك لم يشهدا على واحد بعينه بفعل بعينه، فلا يمكن القضاء بموجب أحد الفعلين على أحد الرجلين.
ألا ترى أن موجب أحد الفعلين قصاص وموجب الآخر الدية، ولا ندري على من يوجب القصاص، وعلى من تجعل الدية لأن المقضي عليه مجهول فيهما، فكذلك إذا مات منهما لا يمكن إيجاب القصاص والدية أيضاً، لأن الفعل الذي يدعيه على كل واحد منهما مجهول، وجهالة المشهود به يمنع صحة الشهادة، حتى لو أثبتا كان على كل واحد منهما نصف الدية لثبوت القتل عليهما.
لو قالا: نشهد أنهما قتلاه بعصا أو بسيف، ثم مات الشاهدان أو غابا إني لا أبطل هذا، وأجعلهما ضاربين بالسيف وضاربين بالعصا، لأنهما شهدا بقتلهما، والقتل لابد وأن