يكون بآلة القتل ثم لما ذكر آلة القتل، عقيب فعلهما انصرف إليهما جميعاً فكان على كل واحد منهما نصف الدية، ربعاً في ماله وربعاً على العاقلة، لأنه لو قتله بالسيف عمداً وتعذر إيجاب القصاص كانت عليه الدية في ماله، ولو قتله بالعصا كانت الدية على العاقلة لأنه شبه العمد، فإذا جمع بينهما يوزع عليهما حكمه، ولو كانا قتلاه كان كل واحد منهما قاتلاً نصفه، نصف هذا النصف بسلاح، فيكون موجبه الدية في ماله، ونصف هذا النصف بعصا فيكون موجبه على العاقلة، كما لو تفرد به.
قال: ألا ترى أنهما لو قالا: قتلاه بسيف أن هذا على سيف واحد لأن القتل لما كان واحداً لابد من أن تكون الآلة متحدة فكذلك قولهما: بسيف وعصى، ولو كان القاتل واحداً فقالا: نشهد أن هذا قتله بسيف وعصا فإني أستحسن في هذا أن أجيزه وأجعل عليه نصف الدية في ماله، ونصفاً على عاقلته لأنه صار قاتلاً للنصف بالسيف، وحكمه وجوب الدية في ماله عند تعذر إيجاب القصاص، وقد تعذر إيجاب القصاص ههنا، وصار قاتلاً للنصف بالعصا وحكمه وجوب الدية على عاقلته، فلهذا أوجبنا على عاقلته نصف دية النفس.
ولو قالا: نشهد أن هذا قطع يديه جميعاً، إحداهما: بالسيف، والأخرى: بالعصا، لا ندري أيتهما قطعت بالسيف وأيتهما قطعت بالعصا فمات من ذلك كله، فعليه الدية نصفاً في ماله ونصفاً على عاقلته، لأنهما بينا في شهادتهما قاطع اليمين وقاطع اليسار، ولكنهما لم يبينا آلة القطع، وقد ذكرنا أن المشهود عليه إذا كان معلوماً وآلة الفعل غير معلومة أن الشهادة مقبولة استحساناً، وقد ذكرنا وجهه.
ولو قالا: نشهد أن هذا جرحه هذا الجرح إما بحديدة وإما بعصا، والمجروح قد برأ من ذلك، فإن هذا جائز وهو على الجاني في ماله إذا كان بعد ضربه، وهو مما لا يقدر فيه على القصاص لأنهما بينا الجارح فكان المشهود معلوماً، وأصل فعل الجرح معلوم ولكن الآلة غير معلومة، وقد ذكرنا: أن بيان آلة الجرح والقتل ليس بشرط لوجوب المال استحساناً، لأن حكم المال لا يختلف، بل أصل الجرح كاف لوجوب المال، وقد ثبت بشهادتهما، ولا يجب على العاقلة بالشك فيجب في ماله.
قال في كتاب الديات: إذا شهد شاهدان على أنه قتله، وقالا: لا ندري بأي شيء قتل، فالقياس في هذا أن يكون باطلاً، ولكني أستحسن أن أجيز هذا وأجعل الدية عليه في ماله، وجه القياس: أنهما ضيعا شهادتهما ونسبا أنفسهما إلى الغفلة، فلا تقبل شهادتهما، ولأن اتفاقهما على فعل واحد شرط قبول شهادتهما، وإنما يتحقق اتفاقهما على الفعل إذا اتفقا على آلة واحدة؛ لأنه إنما يتحقق الفعل بالآلة، ولا يثبت ذلك بدون التنصيص.
فأما إذا قالا: لا ندري لا يثبت الاتفاق منهما على آلة واحدة لجواز أنهما لو بينا، بيّن كل واحد منهما آلة أخرى، وذلك بأن يكون بياناً بكلامه لا أن يكون مخالفاً، فإذا احتمل كلامهما هذا النوع من البيان، لا يثبت الاتفاق بينهما بالدليل المحتمل.