للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وجه الاستحسان: أن الشرط اتفاقهما فيما صرحا به من الشهادة، وقد اتفقا عليه وذلك أصل الفعل وإنهما اتفقا عليه ولا احتمال فيه، وأصل القتل موجب الدية، فاتفاقهما عليه يكون على هذا الموجب، فأما القصاص إنما يجب باعتبار صفة العمدية، ولم يتعرض الشهود لذلك، وباختلاف الآلة إنما يختلف حكم القصاص، فإنما يعتبر بوهم الاختلاف لمنع القصاص لا لمنع وجوب الدية، فإنه لا أثر لاختلاف الآلة في ذلك ولأنهما انتدبا إلى ما ندبهما الشرع إليه، وهو الاحتيال لدرء القصاص، واكتفيا بالشهادة على أصل القتل فلا يكون ذلك مبطلاً لشهادتهما، ولكن يقضى بالدية في ماله كما هو موجب قتل العمد إذا وجب المال، ولأن الشك يقع على الوجوب على العاقلة، إن كان القتل عمداً لا يجب، وإن لم يكن يجب، ويحتمل كلا الأمرين فلا يجب على العاقلة بالشك والاحتمال.

وإذا غصب الرجل من آخر شيئاً فلا ينبغي للشهود أن يشهدوا أنه غصبه ولا أنها عليه، وينبغي لهم أن يقولوا: عايناه أخذ منه ألفاً، لأن الشاهد لا علم له بحقيقة الغصب، لجواز أنه أخذ منه ماله حق الأخذ بأن كانت هذه الألف ملكاً له ولا يعلم الشاهد، أو كان له قبل هذا المأخوذ منه ألف درهم دين بسبب من الأسباب، وقد ظفر بجنس حقه فأخذه، ومن ظفر بجنس حقه كان له أن يأخذه ولا يكون غاصباً بل يكون مستوفياً حقه. وهذه المعاني غيب عن الشاهد، فثبت أنه لا علم للشاهد بحقيقة الغصب، إنما علمه بأخذ الألف من يده لمعاينته ذلك، فينبغي أن يشهد بهذا القدر لا غير، وكذلك لا يشهد أنها عليه لأن بما شهد من الأخذ، لا يثبت له العلم بوجود الدين عليه، فلا يسعه أن يشهد بذلك.

قال محمد رحمه الله في «الجامع» : إذا ادعى رجل على رجل خمسمئة درهم فأنكر المدعى عليه، فجاء المدعي بشاهدين، فشهد أحد الشاهدين أن هذا المدعى عليه أقر للمدعي بخمسمئة درهم، وشهد الآخر أن المدعى عليه أقر لي وللمدعي بألف، فشهادة هذا الشاهد باطلة؛ لأنه شهد بمال مشترك بينه وبين غيره، ولا يمكن تصحيح الشهادة كذلك، لأنه شاهد لنفسه ولا وجه إلى أن يصرف الشهادة إلى نصيب الشريك لما فيه من قسمة الدين قبل القبض وإنها باطلة، فإن قال هذا الذي شهد لنفسه وللمدعي: لم يكن لي عليه شيء، لكنه أقر بذلك عندي كاذباً، وقال المدعي: لم يكن لشاهدي هذا شركة في المال لكنه أقر بهذا بين يديه كاذباً، فالشهادة أيضاً باطلة في قياس قول أبي حنيفة وأبي يوسف، وعند محمد: فالشهادة جائزة، أما عند أبي حنيفة: إنما لا تقبل لأن أحد الشاهدين شهد بخمسمئة والآخر بألف، وفي مثل هذا لا تقبل الشهادة عنده، ولأن الشهادة خرجت على وجه الفساد، فلا تنقلب جائزة بإنكار الشركة.

كالمريض مرض الموت إذا أقر لوارثه ولأجنبي بدين مشترك وأنكر الوارث شركة نفسه، لا يصح الإقراء للأجنبي عند أبي حنيفة رحمه الله، لخروجه على وجه الفساد فلا تنقلب جائزة بإنكار الوارث الشركة. وعند أبي يوسف: لا تقبل الشهادة قياساً على هذه

<<  <  ج: ص:  >  >>