كأنهما وقعا معاً، ولو وقع الإقراران معاً بطلا، فكذا إذا جعلا كذلك، أما إذا وقتا وأثبتا ذلك بالبينة صار الوقت الثابت بالبينة كالوقت الثابت عياناً، ولو عاينا أن أحدهما أقر لصاحبه مثلاً منذ سنة ثم أقر صاحبه له بعد ذلك منذ شهر يقضى للمقر له آخراً؛ لأن الإقرار الآخر يفسخ الإقرار الأول؛ لأن الإقرار مما يرتد بالرد، فإذا أقر المقر له الأول بعد ذلك فهذا الإقرار منه إقرار لصاحبه، ورد الإقرار الأول، فبطل الإقرار الأول بالثاني لكون الثاني رداً له ولم يتصل الرد بالإقرار الثاني فبقي صحيحاً.
قال في «الكتاب» : ولا يشبه هذا البيع، فقد فرق بين البيع والإقرار، فمن المشايخ من طعن على محمد، وقال: لا فرق بينهما، فإن في البيع متى ادعى كل واحد منهما البيع على صاحبه ووقتا ووقت أحدهما أسبق، بأن ادعى أحدهما أن صاحبه باع هذا العين منه منذ شهر يقضي لآخرهما وقتاً؛ لأن التاريخ بين الشراءين ثبت بالبينة، فيعتبر بما لو ثبت معاينة. ولو عاينا أن أحدهما اشترى هذا العين من صاحبه منذ سنة، ثم اشتراه صاحبه منه منذ شهر، يقضي لآخرهما وقتاً، فعلم أنه لا تفرقة بين الإقرار وبين البيع.
بعض مشايخنا أجابوا عن هذا الطعن، وقالوا: لم يرد محمد بهذه التفرقة في الحكم والجواب، فإن في الموضعين جميعاً يقضي لآخرهما تاريخاً، وإنما أراد به التفرقة في الكنه، فإن الكنه في مسألة الإقرار أنه يقضي لآخرهما تاريخاً؛ لأن إقرار الثاني ينسخ الإقرار الأول، وليس مسألة البيع أنه يقضي لآخرهما تاريخاً أن البيع الثاني ينسخ البيع الأول، بل يبقى البيع الأول على حاله ويصح البيع الثاني بعده فافترقا في الكنه، فلما أراد بهذه التفرقة التفرقة في الكنه، أما الجواب في الفصلين واحد.
من المشايخ من قال: أراد محمد رحمه الله بهذه التفرقة، التفرقة في الحكم والجواب، إلا أنه لم يرد بمسألة البيع ما إذا ادعى كل واحد منهما على صاحبه البيع وأرخا، وتاريخ أحدهما أسبق، كما هو موضوع مسألة الإقرار، وإنما أراد بمسألة البيع: ما إذا ادعى كل واحد منهما الشراء من ثالث وأرخا، وتاريخ أحدهما أسبق كان السابق أولى، وأراد بمسألة الإقرار ما إذا ادعى كل واحد منهما إقرار صاحبه وأرخا، وتاريخ أحدهما أسبق يقضي لآخرهما تاريخاً؛ فالتفرقة بين المسألتين على هذا الوضع ثابت كما ذكر محمد رحمه الله.
ذكر بعد هذا إذا ادعى كل واحد منهما الشراء على صاحبه، فقال: إذا ادعى أحدهما على صاحبه أنك اشتريت هذه الدار مني منذ سنتين، وادعى صاحبه عليه أنك اشتريت هذه الدار مني منذ سنة، فهي منذ سنتين ولا يشبه هذا الإقرار، فقد فسر مسألة الشراء بعده ما ذكره مجملاً، ويبين بهذا التفسير أن موضوع المسألة المتقدمة في البيع ما إذا ادعى كل واحد منهما البيع على صاحبه، كما أن موضوع مسألة الإقرار أن كل واحد منهما ادعى الإقرار على صاحبه، إلا أنه لم يرد بقوله في مسألة البيع: فهي منذ سنتين أنه يقضي لمن ادعى الشراء منذ سنتين، فإنه متى ادعى كل واحد منهما الشراء على هذا الوجه يقضي لآخرهما وقتاً، وإنما أراد به أن الشراء منذ سنتين ثابت كالشراء منذ سنة؛