لأن الشراء الثاني لا يفسخ الأول فيكون الأول ثابتاً، ثم يثبت الثاني بعد ذلك فيقضي للآخر ويكون الأول ثابتاً، حتى تقع المقاصة بين الثمنين إن كانا من جنس واحد، ولم ينفذا ولا يشبه البيع الإقرار، فإن الإقرار الثاني ينسخ الإقرار الأول، فعلى هذا التفرقة بين الإقرار والبيع ثابت من حيث الجواب والنكتة.
ذكر شمس الأئمة السرخسي رحمه الله في «شرحه» مسألة لم يذكرها شيخ الإسلام خواهر زاده رحمه الله وصورتها: دار في يدي رجلين يدعي كل واحد منهما أن فلاناً أقر له بها، وأقاما البينة ووقتا، ادعيا الإقرار على رجل واحد بأن ادعى الإقرار على زيد مثلاً ووقت أحدهما أسبق، بأن ادعى أحدهما الإقرار منذ سنة، وادعى الآخر الإقرار منذ شهر، فهي لصاحب الوقت الآخر، ولا يشبه هذا البيع، يريد به إذا ادعى كل واحد منهما أن زيد باعها منه ووقتا، ووقت أحدهما أسبق وأقاما البينة فإنه يقضى لأسبقهما تاريخاً.
والفرق: أن في مسألة الإقرار صاحب الوقت الأخير أثبت إقرار زيد بالدار له منذ شهر، وهذا يمنع دعوى زيد الملك لنفسه منذ سنة، فيمنع دعوى من يثبت الملك لنفسه منذ سنة بإقرار زيد له بها، وصاحب الوقت الأول أثبت إقرار زيد بالدار لنفسه منذ سنة، وذلك لا يمنع دعوى زيد الملك فيها لنفسه منذ شهر فلا يمنع دعوى من يثبت الملك لنفسه فيها منذ شهر، وفي البيع ثبوت الشراء من زيد منذ شهر لا يمنع زيداً من دعوى الملك لنفسه منذ سنة، فإذا وجب قبول بينته على ذلك ثبت شراؤه في وقت لا ينازعه الآخر فيه، فإنما أثبت الآخر شراءه بعد ذلك من غير المالك.
وإذا ادعى ثوباً في يدي رجل، وقال: ذهب مني منذ عشرة أيام، وجاء بشاهدين شهد أحدهما أنه ذهب منه منذ عشرة أيام، وشهد الآخر أنه ذهب منه منذ خمسة عشر يوماً لا تقبل هذه الشهادة، ووقع هذه المسألة في بعض النسخ بالذال: ذهب مني، وفي بعض النسخ بالواو: وهب مني وهكذا أثبته الحاكم في «المختصر» وإنما لم تقبل الشهادة؛ لأن المدعي أكذب شاهده الذي (شهد) بالهبة منذ خمسة عشر. قال في «المختصر» : ولو لم يوقت المدعي جازت الشهادة؛ لأنه غير كذب واحد منهما، والمشهود به قول أو ما هو كالقول حكماً، فاختلاف (١٥٨ب٤) الشاهدين في الوقت لا يمنع قبول الشهادة.
قال محمد رحمه الله في «الجامع» : رجل مات وترك ثلاث بنين وداراً، فغاب اثنان منهم وبقي واحد، فجاء رجل وادعى أن الدار له، فقال الحاضر: كانت الدار لأبينا مات وتركها ميراثاً لي ولأخوي فلان وفلان، وقبض كل واحد منا نصيبه، ثم إنهما غابا وأودعاني نصيبهما، وصدقه المدعي فيما قال، وأقام المدعي البينة أن الدار داره، قبلت بينته وقضي بالدار للمدعي.
وإن ثبت بتصادقهما كون ثلثي الدار وديعة في يد الابن الحاضر؛ ويد المودع ليست يد خصومة، ولكن الوجه في ذلك: أن كون المودع غير خصم من وجه في حق المدعي لا ينفي كونه خصماً في حقه من وجه آخر، ألا ترى أن من أودع عند إنسان شيئاً، ثم إن