الوجه الثاني: أن فساد الشفع الأول يترك القراءة في الركعتين مقطوع به؛ لأن القراءة في ركعة واحدة ثبت بدليل مقطوع به، ومن الكتاب قال الله تعالى:{فَاقْرَءواْ مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْءانِ}(المزمّل: ٢٠) فجاز أن يؤثر في فساد التحريمة، أما فساد الشفع الأول بترك القراءة في ركعة واحدة ليس بمقطوع به، بل هو مجتهد فيه، فإن من الناس من قال الفرض القراءة في إحدى الركعتين؛ وهذا لأن الأمر بالفعل لا يقتضي التكرار، لكن أوجبنا القراءة في الركعة الثانية احتياطاً؛ لأن الركعة الثانية تكرار للأول على ما سبق، والاحتياط هنا في أن لا يجعل القراءة فرضاً في الثانية في حق إبقاء التحريمة حتى نحكم بصحة الشروع في الشفع الثاني، فيجب عليه إتمام الشفع الثاني، ولا يحكم بصحة الأداء احتياطاً أيضاً. وأخذنا في كل حكم بالاحتياط.
وإذا عرفنا هذا «الأصل» جئنا إلى تخريج المسائل فنقول: إذا ترك القراءة أصلاً فعلى قول أبي يوسف: يجب عليه قضاء الأربع؛ لأن التحريمة عنده بقيت على الصحة، فصح الشروع في الشفع الثاني، وعند أبي حنيفة ومحمد عليه قضاء ركعتين؛ لأن التحريمة قد انقطعت عندهما بترك القراءة في الشفع الأول في الركعتين، فلم يصح الشروع في الشفع الثاني، فلا يلزمه قضاؤه، وإذا قرأ في إحدى الأوليين، وفي إحدى الأخريين يعني قرأ في الركعة الأولى والثالثة، فعليه قضاء أربع ركعات عند أبي يوسف، وكذلك عند أبي حنيفة على رواية محمد عنه؛ لأن عند أبي حنيفة على رواية محمد عنه بترك القراءة في إحدى الأوليين لا تبطل التحريمة، فيصح بناء الشفع الثاني عليه، فيلزمه قضاء أربع ركعات وعند محمد يلزمه قضاء ركعتين؛ لأن عنده بترك القراءة في إحدى الأوليين تبطل التحريمة، فلا يصح بناء الثاني عليهما، فيلزمه قضاء ركعتين، وإذا قرأ في الأوليين إن كان قعد على رأس الركعتين، فعليه قضاء ركعتين بالإجماع؛ لأن التحريمة لم تنقطع بالإجماع، فيصح بناء الشفع الثاني عليها بالإجماع أنه بترك القراءة في الأخريين أفسد الشفع الثاني، وفساد الشفع الثاني لا يوجب فساد الشفع الأول.
إذا قعد في الشفع الأول كما إذا أحدث متعمداً، وإن لم يقعد على رأس الركعتين فعليه قضاء الأربع بالإجماع؛ لأن الشفع الثاني قد لزمه، وقد أفسدها بترك القراءة قبل أن يقعد على رأس الركعتين، فيؤثر في الشفع الأول.
كما لو أحدث متعمداً في الشفع الثاني قبل أن يقعد في الشفع الأول، وإذا قرأ في الأخريين فعليه قضاء الشفع الأول؛ لأن الشروع في الشفع الأول صحيح، والأداء قد فسد لعدم القراءة فيلزمه قضاؤه.
وأما الشفع الثاني، فعند محمد رحمه الله لم يصح الشروع فيه، وكذلك عند أبي حنيفة رحمه الله، فلا يلزمه القضاء، وعند أبي يوسف صح الشروع فيه وصح الأداء لوجود القراءة، فلا يلزمه القضاء فإذا اتحد الجواب مع اختلاف التخريج، وإذا قرأ في الثلاث الأوائل، فإن كان قعد على رأس الركعتين، فعليه قضاء الشفع الثاني بالإجماع؛ لأن الشفع الأول قد صح لوجود القراءة فيه، فيصح بناء الشفع الثاني عليه وقد فسد الشفع