ألا ترى أن ابن الأخ لو أقام البينة على ما ادعى حال حياة العم، ولم يقم الأجنبي البينة ولم يقض القاضي ببينة ابن الأخ حتى مات العم، وسلم القاضي الدار إلى ابن الأخ، ثم أقام الأجنبي البينة عل ما ادعى فإنه يقضي ببينة الأجنبي؟ وكذلك إذا لم يقيما البينة حال حياة العم حتى مات العم، ثم أقاما البينة فإنه يقضى بالدار للأجنبي، لهذا إن الأجنبي خارج وقت القضاء حقيقة فهو خارج حكماً.
وقد اختلفت عبارة المشايخ في بيان ذلك. فعبارة بعضهم، أن ابن الأخ لم يرث الدار من العم في هذه الصور والقاضي سلم الدار إلى ابن الأخ على وجه الحفظ بطريق النيابة عن العم لا على وجه الميراث، بيان هذا الكلام: أن الدار صارت مشغولة بحق الأجنبي حال حياة العم فإنه ثبت للأجنبي بإقامة بينة عادلة حق الملك في هذه الدار وبالتزكية ظهر أنها كانت عادلة، ولهذا لم يجز بيع المدعى عليه، وكون التركة مشغولة بحق الأجنبي يمنع الإرث كما لو كان فيها دين مستغرق للأجنبي، أو كان في الدار وصية، وإذا امتنع الإرث لحق الأجنبي، بقيت الدار على حكم العم كأن العم حي، ولو كان العم حياً ودفع الدار إلى ابن الأخ على وجه الحفظ بطريق النيابة عن العم أليس أنه يقضي بالدار بينهما نصفان؟ واعتبر ابن الأخ خارجاً حكماً في هذه الصورة، مع كونه صاحب اليد حقيقة ولكن تقرير هذه العبارة من وجه آخر، وسنذكر ذلك الوجه في تفريعات هذه المسألة إن شاء الله تعالى، وليس كما لو أقام ابن الأخ البينة حال حياة العم وأقام الأجنبي البينة بعد وفاة العم، فإن هناك يقضى بكل الدار للأجنبي، وتبطل بينة الأخ لأن هناك ابن الأخ وقت القضاء صاحب اليد حقيقة وحكماً.
بيانه: أن هناك الدار حال موت العم مشغولة بحق ابن الأخ الذي هو وارث لا لحق الأجنبي، وشغل التركة بحق الوارث لا يمنع الإرث، ألا ترى أن الدين المستغرق للتركة لو كان للوارث لا يمنع ذلك جريان الإرث، فصارت الدار لابن الأخ وزال عن ملك العم ويده حقيقة وحكماً، فصار الملك واليد لابن الأخ حقيقة وحكماً، وبقي الأجنبي خارجاً حقيقة وحكماً، وليس كما لو لم يقيما البينة حال حياة العم حتى مات العم ثم أقاما البينة لأن هناك الدار وقت موت العم لم تكن مشغولة بحق الأجنبي لأنه لم يوجد من الأجنبي إلا مجرد الدعوى وبه لا يثبت الحق، ولهذا أجري إقرار المدعى عليه بالمدعى به لغيره في هذه الصورة مجرى الإرث فصارت الدار مملوكة لابن الأخ، وصار هو صاحب اليد حقيقة وحكماً.
وعبارة بعضهم: أن ابن الأخ وإن ورث الدار من العم وصار ذو اليد حقيقة، فقد بقي خارجاً حكماً ومعنىً، بيانه: أنه لم يملك الدار على الوجه الذي ادعى وأراد، فإنه ادعى أن هذه الدار موروثة له من جهة الأب لا من جهة العم وله في هذه الدعوى فائدة بعد موت (١٩٠أ٤) العم حتى لا يتعلق بهذه الدار حقوق العم متى ظهر دين أو وصية، ولم يحصل هذا المقصود لابن العم بموت العم وصورة الدار ميراثاً له فبقي محتاجاً إلى إثبات ما ادعى بالبينة لكونه ثابتاً بظاهر يده.