وليس كما لو لم يقيما البينة حال حياة العم حتى لو مات العم ثم أقاما البينة، فإن هناك يقضي ببينة الأجنبي، ولم يجعل ابن الأخ خارجاً، وإن كان محتاجاً إلى إثبات ما ادعاه بالطريق الذي قلنا لأنا إنما يعتبر للحاجة إلى إثبات المدعي في جانب الأخ إذا كان لابن الأخ منازع في هذه الدار وقت موت العم ثبت لمنازعه نوع خصوصية بهذه الدار من بين سائر الناس، بأن أقام شاهداً واحداً لأن بإقامة شاهدين يثبت له حق الملك، وبإقامة شاهد واحد صار بحال إذا أقام شاهداً آخر، يستحق الدار وقت موت العم، لم يثبت له نوع خصوصية من بين سائر الناس بأن وجد مجرد الدعوى لا يعتبر مقصود ابن الأخ في هذه الحالة فلا تقبل بينته، وهذا لأن ما هو مقصود ابن الأخ مما ادعى قد يحتاج إليه ابن الأخ بأن ظهر على العم دين أو وصية، وقد لا يحتاج إليه ابن الأخ بأن لا يظهر عليه دين أو وصية، وقد يظهر وقد لا يظهر فوجب مراعاة مقصوده في حال دون حال، مراعياً من الوجه الذي بينا، وليس كما لو أقام ابن الأخ البينة على ما ادعى حال حياة العم، ولم يقم الأجنبي بينة، فإنه يقضي بالدار كله للأجنبي لأنه لم يثبت لمنازعه، وهو الأجنبي وقت موت العم نوع خصوصية بهذه الدار من بين سائر الناس لأنه لم يوجد منه إلا مجرد الدعوى، وفي هذه الحالة لا يعتبر مقصوده، وإذا لم يعتبر اعتبر هو ذو اليد حقيقة وحكماً، فيقضي ببينة الأجنبي بعد ذلك بينة على ابن الأخ أن الدار داره، ورثها من أبيه وأراد أخذ ما صار لابن الأخ، لم يكن له ذلك لأن كل واحد منهما أقام البينة على كل الدار، ولولا بينة صاحبه لما حرم من النصف، فعلم أن كل واحد منهما صار مقضياً عليه فيما صار لصاحبه بالقضاء، وبينة المقضي عليه فيما صار مقضياً عليه، لا تقبل إلاً إذا ادعى تلقي من جهة المقضي له، ولم يوجد ههنا.
فلو أن القاضي زكى شهود الرجل الأجنبي بعد موت العم ولم يزك شهود ابن الأخ، قضي بالدار كلها للأجنبي؛ لأن حق الأجنبي قد ظهر من كل وجه وحق ابن الأخ عسى يظهر وعسى لا يظهر، وليس لظهوره وقت معلوم، فيقضى بالدار كلها للرجل الأجنبي لهذا، وتبطل بينة ابن الأخ حتى إذا ظهرت عدالتهم لا يقضى له بشيء ما لم يقم البينة ثانياً، لأن القاضي لما قضى بالدار كلها للأجنبي بالدليل الذي ذكرنا، مع قيام ما يوجب القضاء بالنصف لابن الأخ وهو شهادة شهود ابن الأخ يضمن القضاء بالدار كلها للأجنبي إبطال بينة ابن الأخ، وللقاضي ولاية إبطال البينة إذا لاح له دليل الإبطال.
والقاضي إذا أبطل البينة في حادثة لا يجوز القضاء بها في تلك الحادثة أبداً، فإن جاء ابن الأخ بعد ذلك بشهود شهدوا أن هذه الدار داره ورثها من أبيه، قبل القاضي شهادته وقضى بكل الدار للأجنبي سواء جاء بشهود آخرين أو جاء بتلك الشهود، لأنه لو لم تقبل شهادة شهوده إنما لا تقبل لصيرورته مقضياً عليه ببينة الأجنبي، ولا وجه إليه؛ لأن بينة الأجنبي قامت على العم لا على ابن الأخ، وهذا الجواب ظاهر فيما إذا جاء بشهود آخرين مشكل فيما إذا جاء بتلك الشهود.
وينبغي أن لا تقبل شهادتهم في هذه الصورة لأن القاضي أبطل شهادتهم في عين