هذه الحادثة، والقاضي متى أبطل شهادة الشهود في حادثة، لا تقبل شهادتهم في عين تلك الحادثة، وإن صاروا عدولاً، والجواب عن هذا الإشكال من وجهين:
أحدهما: أن القاضي ما رد شهادتهم لتهمة الكذب بل ضرورة القضاء تلك الدار للأجنبي، ورد الشهادة إذا لم يكن لتهمة الكذب لا يمنع قبولها بعد ذلك.
والثاني: إن كان رد الشهادة لتهمة الكذب ولكن هذه حادثة أخرى غير تلك الحادثة؛ لأن المشهود عليه في الكرة الأولى العم والمشهود عليه في الكرة الثانية ابن الأخ، والشهادة متى ردت لتهمة الكذب لا يمنع قبولها بعد ذلك، أنا لا أقبل تلك الشهادة في عين تلك الحادثة لا في حادثة أخرى، ألا ترى أن الفاسق إذا شهد وردت شهادته في باب، وشهد في المشهود له في حادثة أخرى قبلت شهادته؟ كذا ههنا.
فإن قال الأجنبي بعد ذلك: أنا أعيد البينة على ابن الأخ أن الدار داري ورثتها، فالقاضي لا يقبل بينته لأنه صار مقضياً عليه من جهة ابن الأخ.
قال: ولو أن القاضي زكّى شهود ابن الأخ بعد موت العم، وما زكى شهود الأجنبي قضي بكل الدار لابن الأخ، وبطلت بينة الأجنبي حتى لو زكيت شهوده بعد ذلك، لا يقضى له بشيء لما قلنا في جانب ابن الأخ، فإن أعاد الأجنبي البينة على ابن الأخ بعدما قضى القاضي لابن الأخ قضي للأجنبي، فإن قال ابن الأخ: أنا أعيد البينة على الأجنبي لم يلتفت القاضي إليه لما قلنا.
قال: فإن أقام الأجنبي البينة حال حياة العم أن الدار داره ورثها من أبيه ولم يقم ابن الأخ البينة على دعواه حتى مات العم صارت الدار في يد ابن الأخ بحكم الميراث، ثم أقام ابن الأخ البينة على دعواه، وزكيت بينتهما قضي بالدار بينهما، وإن صار اليد لابن الأخ لما ذكرنا من العبارتين.
وقد ذكرنا قبل هذا في عبد في يدي رجل أقام رجل بينة أنه عبده اشتراه من ذي اليد بكذا، ونقده، وأقام ذو اليد بينة أنه عبد فلان الغائب أودعه إياه، لا تندفع الخصومة عن ذي اليد لأنه انتصب خصماً بدعوى الفعل، فلو أن القاضي لم يقض ببينة مدعي الشراء حتى حضر المقر له وصدق ذو اليد في إقراره، فإنه يدفع العبد إليه فإن زكيت بينة مدعي الشراء يقضى لمدعي الشراء بالعبد على المقر له، فلو أن المقر له أقام البينة أن العبد عبده، كان أودعه الذي كان العبد في يده يقضى بالعبد كله للمقر له وتبطل بينة مدعي الشراء.
وذكرنا ثمة عن الفقيه محمد بن حامد رحمه الله أن ابن سماعة كتب إلى محمد في مسألة العبد، ولم يذكر ثمة كيفية المكتوب، وكان كيفية المكتوب: ما بال الغائب المقر له إذا أقام البينة أن العبد عبده أودعه المقر قضيتم بالعبد له، ولم تقضوا بها بينه وبين المدعي الشراء نصفان، وأنتم جعلتم اليد للمقر في الحكم، وإن كان العبد في يد الغائب للمقر له، وإذا جعلتم اليد للمقر صار الغائب مع مدعي الشراء خارجين مدعيان على ذي اليد عبداً أو داراً.