للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وذكرنا أن ابن سماعة استشهد بمسألة تأتي بعد هذا، وهي هذه المسألة، ابن سماعة فكتب إلى محمد رحمه الله أن الأمر كما تقول: أن العبد يقضى بين المقر له وبين المدعي للشراء نصفين، كما في هذه المسألة التي وقع الاستشهاد بها، وذكرنا ثمة أن القاضي أبا الهيثم كان يصحح جواب محمد في مسألة العبد أنه يقضي بالعبد كله للمقر له، وذكرنا وجه ذلك: أن مدعي الشراء يدعي الاستحقاق من جهة صاحب اليد الأول، والغائب المقر له يدعي الاستحقاق من جهة صاحب اليد الأول، لهذا يثبت الترجيح لبينة الغائب المقر له، وبهذا الحرف يقع الفرق بين مسألة العبد وبين مسألتنا هذه، لأن الأجنبي مع ابن الأخ كل واحد منهما يدعي الاستحقاق على العم، ولا يدعي أحدهما استحقاقاً على صاحبه وصاحبه من جهته، حتى يترجح وبين ابن الأخ نصفان من هذا الوجه.

ومن مشايخنا من اتبع القاضي أبا الهيثم في تصحيح جواب محمد أنه يقضى بالعبد كله للمقر له، وذكر بين مسألة العبد (١٩٠ب٤) وبين مسألتنا فرقاً آخر.

فقال: المقر له في مسألة العبد غير محتاج إلى إثبات ملكه في العبد بعدما أقر له ذو اليد؛ لأن العبد صار ملكاً له على الوجه الذي ادعى بإقرار ذي اليد، فاستغنى عن إثبات الملك لنفسه، إنما حاجته إلى أن يبين أن بينة مدعي الشراء قامت على غير خصم، حتى يبطل بينته، فإن لذي اليد أن يطعن في بينة الخارج حتى يبطل بينته، وقد بين المقر له بما أقام من البينة، أن بينة مدعي الشراء قامت على غير خصم لأنها قامت على مودعه، والمودع لا يكون خصماً فيما يستحق على صاحب الوديعة، فبطلت بينة المشتري إلا أن يعيدها ثانية على المقر.

فأما في مسألتنا هذه، الدار وإن صارت لابن الأخ بعد موت العم إلا أنها لم تصر له على الوجه الذي أراد وادعى على ما مر بيانه، فبقي محتاجاً إلى إثبات ما ادعى فاعتبر خارجاً معنىً، والأجنبي خارج حقيقةً، فقضي بالدار بينهما، ولو أقام كل واحد منهما شاهداً واحداً حال حياة العم، ثم مات العم وصارت الدار ميراثاً لابن الأخ ثم أقام كل واحد منهما شاهداً آخر، وزكيت البينتان قضي بالدار بينهما نصفان، وهذا الجواب لا يشكل على الوجه الثاني؛ لأن ابن الأخ على الوجه الثاني اعتبر خارجاً وإن ملك الدار بالإرث على ما مرّ.

أما يشكل على الوجه الأول؛ لأن بإقامة الأجنبي شاهداً واحداً لا يثبت له حق الملك في الدار حتى يمتنع الإرث في الدار بحق الأجنبي، فيصير الدار ميراثاً لابن الأخ فيعتبر هو ذو اليد، والوجه في ذلك أن نقول: بإقامة الشاهد الواحد إن كان لا يمتنع الإرث في الدار لابن الأخ من حيث إنه لم يثبت للأجنبي حق الملك في الدار يمنع الإرث له من وجه آخر حتى لا يبطل ما أقام الأجنبي من الشاهد الواحد بمجرد قول ابن الأخ الذي يحتمل الصدق والكذب.

بيانه: أن شهادة الشاهد الواحد من الأجنبي انعقدت معتبرة في الجملة، فلو ورث ابن الأخ الدار من العم، وصار ذو اليد لابد وأن يقبل قوله إنه ورثها من أمه لا من عمه،

<<  <  ج: ص:  >  >>