للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ليس في معنى خارج المصر لأن سيره على الدابة في المصر لا يكون مؤبداً عادة فرجعنا فيه إلى أصل القياس، وحكي أن أبا يوسف رحمه الله لما سمع هذا الجواب عن أبي حنيفة رحمه الله، قال: حدثني فلان، وسماه عن سالم عن ابن عمر رضي الله عنهما: أن النبي عليه السلام ركب الحمار في المدينة، يقول سعد بن عبادة؛ وكان يصلي وهو راكب، فسكت أبو حنيفة ولم يرفع رأسه.

قيل: إنما لم يرفع رأسه رجوعاً منه.

وقيل: إنما لم يرفع رأسه؛ لأنه عده من شواذ الأخبار، وآحاده، ومثل هذا الخبر لا يكون حجة فيما تعم به البلوى، فأبو يوسف رحمه الله أخذ بهذا الحديث، ومحمد كذلك، إلا أنه كره ذلك في المصر لأن اللفظ (٩٩ب١) يكثر فيها والكثرة ربما تمتلىء بالغلط في القراءة، فلهذا يكره، قيل: اللفظ صور مهمة.

وقيل: الكلام الفاحش ثم يستوي الجواز عندنا بين أن يفتتح الصلاة مستقبل القبلة، وبين أن يفتتحها مستدبر القبلة في الحالين يجزئه؛ لأن جواز التطوع على الدابة بالديار، ولا فرق في الديار بين الابتداء وبين الانتهاء.

ومن الناس من يقول: إنما يجوز التطوع على الدابة إذا توجه إلى القبلة عند افتتاح الصلاة، ثم تركها حتى انحرف عن القبلة، أما ما إذا افتتح الصلاة إلى غير القبلة لا تجوز؛ لأنه لا ضرورة في حالة الابتداء، إنما الضرورة في حالة البقاء إلا أن أصحابنا لم يأخذوا به؛ لأنه لا تفصيل في النص.

ولو أومىء على الدابة وبنى بسير لم يجز إذا قدر أن يقفها، وإن تعذر الوقف جاز؛ لأن سير الدابة مضاف إلى راكبها، ويتحقق بسبب ذلك اختلاف المكان، فلا يتحمل إلا عند تعذر الوقف ولا يصلي المسافر المكتوبة على الدابة إلا في ضرورة فإن المكتوبة في أوقات محصورة لا يشق عليه النزول؛ لأدائها بخلاف التطوع، فإنه ليس مقدر بشيء فلو ألزمناه النزول؛ لأدائها تعذر عليه أداء ما يسقط من التطوعات أو ينقطع سفره.

وكذلك ينزل للوتر عند أبي حنيفة رحمه الله؛ لأنها واجبة عنده، وعندهما له أن يوتر على الدابة؛ لأنها سنة عندهما، وأما في حالة الضرورة له أن يصلي المكتوبة، والوتر على الدابة لما روي أن رسول الله عليه السلام كان مع أصحابه في سفر فمطروا، «فأمر منادياً حتى نادوا صلوا على رواحلكم» .

ومن الأعذار إن خاف لو نزل عن الدابة على نفسه أو على دابته لصاً أو سبعاً أو كان في طين لا يجد على الأرض مكاناً يابساً أو كانت الدابة حموماً إن نزل عنها لا يمكنه الركوب إلا بمعين أو كان شيخاً كبيراً لا يمكنه أن يركب، ولا يجد من يركبه ففي هذه الأحوال كلها تجوز المكتوبة على الدابة، قال الله تعالى: {فَإنْ خِفْتُمْ فَرِجَالاً أَوْ رُكْبَانًا

<<  <  ج: ص:  >  >>