مسلمون فيصلى عليهم، لكن ينوون بالدعاء المسلمين؛ لأنه لو أمكن التمييز حقيقة يجب التمييز حقيقة، فإذا تعذر (١٢٣ب١) التمييز حقيقة وأمكن التمييز بالنية، وإن كان الأكثر كفاراً لم يغسلوا، ولم يصل عليهم لما ذكرنا أن العبرة للغالب.
فإن قيل: إنما تعتبر الغلبة وعدم الغلبة حالة الاختيار لا حالة الاضطرار، والحالة ههنا حالة الاضطرار، فإن الصلاة على الميت فرض.
قلنا: كما أن الصلاة على الميت فرض، وترك الصلاة على الكافرين فرض، فإذا تعارض الدليلان اعتبرنا الغالب، وإن استويا لم يصل عليهم عندنا.
وقال الشافعي رحمه الله: يصلى عليهم ترجيحاً للمسلمين على الكافرين، وإنا نقول: استوى جانب الصلاة وجانب الترك فترجح جانب الترك؛ لأن الصلاة على الكافر لا تجوز بحال، وترك الصلاة على المسلم جائز في الجملة، فإنه لا يصلى على الباغي عندنا، وعلى الشهيد عندك، فكان الميل ما يباح الحال أولى. بخلاف ما إذا كانت الغلبة للمسلمين، لأنه لما ترجح بحكم الكثرة فكأنه ليس فيهم كفار.
ولم يبين في «الكتاب» : في فصل الاستواء في أي موضع يدفنون، وقد اختلف المشايخ فيه بعضهم قالوا: يدفنون في مقابر المشركين، وبعضهم قالوا: يتخذ لهم مقبرة على حدة، وهو قول الفقيه أبو جعفر الهندواني رحمة الله عليه.
وهذا بناءً على اختلاف الصحابة في نصرانية تحت مسلم حبلت من المسلم، ثم ماتت اختلف الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين في دفنها، فرجح بعضهم جانب الولد وقال: تدفن في مقابر المسلمين، ورجح بعضهم جانبها وقال: تدفن في مقابر المشركين، لأن الولد في حق هذا الحكم جزء منها ما دام في بطنها، وقال عقبة بن عامر: يتخذ لها مقبرة على حدة، فكذلك هنا يتخذ لهم مقبرة على حدة، لتكون بين مقبرة المسلمين وبين مقبرة الكفار.
ولما أمكن اعتبار حالهم بين الحالتين وجب اعتباره بخلاف الصلاة؛ لأنه واسطة بين فعل الصلاة وبين تركها، فإذا تعذر فعل الصلاة وجب الترك.
وإذا لم يجدوا ماء يغسل الميت فيمموه وصلوا عليه، ثم وجدوا ماء يغسل ويصلى عليه ثانياً في قول أبي يوسف، وعنه في رواية يغسل ولا تعاد الصلاة عليه بمنزلة جنب تيمم وصلى، ثم وجد ماء بعد ذلك. وإذا أخطؤوا بالرأس وقت الصلاة فجعلوه في موضع الرجلين وصلي عليه جازت الصلاة؛ لأنه وجد شرائط الجواز، وهو كون الميت أمام الإمام، إنما تركوا سنّة من سننها، وترك السنّة لا يوجب فساد الصلاة. فإن فعلوا ذلك عمداً جازت الصلاة؛ لأن مثل هذا لو وقع في المكتوبة جاز ففي صلاة الجنازة أجوز.
قال شمس الأئمة، والحاكم الشهيد ذكر في «إشاراته» حرفاً فقال: إذا كان عندهم أنهم يصلون عليها إلى القبلة يعني يصلون بالتحري، ولكن جهلوا عن النية، فلما فرغوا ظهر أنهم صلوا عليها إلى غير القبلة أجزأتهم صلاتهم، وفي الصلاة المكتوبة لا تجزئهم صلاتهم إذا فعلوا مثل هذا.